الملحقثقافة وتربية

المدارس الذكية أو الرقمية

كتب د. رائد عصام محسن* في جريدة اللواء:

تُعد المدرسة من أبرز أسس البناء الاجتماعي، أوجدها المجتمع لتقوم على تنشئة أبنائه وتزويدهم بالمعارف والقيم الاجتماعية والدينية والوطنية التي تُساعدهم على تكوين الذات، وتنمية الشخصية، وإعدادهم لمواجهة الصعوبات في المستقبل.
لقد أدّت الثورة التكنولوجية والتطوّر السريع في تكنولوجيا المعلومات إلى وضع الإدارة التربوية في العديد من الدول العربية ومنها لبنان أمام سلسلة من التحديات، تدفعها إلى إحداث تغيّرات في النظام التربوي، وتطوير المناهج، واعتماد طرائق حديثة وتفاعلية في التدريس، مع التركيز على أهمية استعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة في العملية التعليمية والتعلّمية لتشمل مختلف المواد الدراسية.


من المناهج التقليدية إلى المناهج الرقمية
على الرغم من كل الظروف الضاغطة على الدولة اللبنانية، وما تُعانيه وزارة التربية من شحّ في الانفاق على التعليم، نأمل اليوم استكمال عملية الإعداد للمناهج اللبنانية المطوّرة، التي أوصى بها معالي الوزير السابق الأستاذ إلياس بو صعب في مؤتمر «كلنا للوطن» في نيسان 2015، وقد ركّز آنذاك على أهمية إدخال الرقمية في المناهج التربوية، وبإنتظار أنْ تتحقق هذه الخطوة، نأمل أيضا تحويل المناهج الدراسية في لبنان الى «مناهج رقمية»، أسوةً بالإستراتيجيات التي وضعتها بعض الدول العربية، كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وبالتالي الإنتقال من أسلوب التعليم النمطي التقليدي إلى التعليم الذكي.
يُقصد بالمناهج الرقميّة Digital Curriculum، أيّ أنْ تُصبح الكتب المدرسية على صفحات الكترونية E-Book، يحصل على معارفها المعلم والمتعلم عبر الانترنت، ويمكن إحضار أيّ جزء منها من خلال اللوح الذكي أو الكمبيوتر أو «تابلت» أثناء التدريس في الغرف الصفية، وبعدها يمكن أنْ تُحفظ هذه المعلومات اليومية من نصوص ومسائل وصور ومقاطع فيديو وتسجيلات صوتية لكل صف ومواده التعليمية على صفحة المدرسة الالكترونية، أو قد يُخزّنها المتعلّم في ملفاته على الكمبيوتر المحمول Laptop أو (تابلت) Tablet أثناء وجوده في الصف، ثم يقوم بمراجعة المعارف التي حصل عليها من خلال الأجهزة الذكية أينما كان، وهذه الطرائق تُسهم في تعزيز طريقة التعليم الالكتروني E-Learning والتعليم عن بُعد Distance Learning.
إنَّ استعمالات الكمبيوتر أو «تابلت» أو «سكرين تاتش» خلال العملية التعليمية، تُساعد المتعلم على تحصيل المعارف وحل المسائل بطريقة سهلة وسريعة، وأنَّ اعتماد وسائل الايضاح التكنولوجية في التعليم، تُساعد بأسلوب أفضل في عملية نقل المتعلم للرسوم والصور والمقاطع الصوتية أو المشاهد الحركية، أو التعديل عليها، ممّا يُساهم في تحسين العملية التعليمية والتعلّمية.


من المدارس التقليدية إلى المدارس الذكية Smart School or Digital School
نجد اليوم أنفسنا أمام واقع من الصعب تجاهله، فرؤية أجيالنا الرقمية للعديد من القضايا التي تعنينا، قد لا تعنيهم، وهم سئموا من حفظ النصوص وحمل أوزان الكتب يوميّا إلى المدارس، وأصبح الهاتف الذكي لديهم المرجع السريع للحصول على أيّ من المعارف، ويمكنهم من خلاله تنفيذ مختلف عمليات البحث عبر الشبكات الالكترونية، إلى جانب التواصل مع الآخرين وغير ذلك.
لذلك، نتساءل، إلى متى يمكن للمدرسة التقليدية أنْ تفي بوعودها للمجتمع ومؤسّساته؟ في الوقت الذي نُعلّم فيه مناهج الماضي لأجيال المستقبل!
إنَّ مسؤولية تطوير المنظومة التعليمية في لبنان، تدفعنا إلى التفكير بجديّة في سياستنا التربوية واستراتيجيات التربية والتعليم، للإنتقال من المدرسة التقليدية إلى المدرسة الذكية أو الإلكترونية وبمصطلح آخر المدرسة الرقمية Digital School، لنواجه متطلبات العصر وتعزيز دور المؤسسات التربوية وتطويرها.
إنَّ كليات العلوم والهندسة والطب، والقطاعات العسكرية والصناعية والتجارية، تَعتمد على فرضيّة ما يمكن أنْ ترفده المدارس إلى المجتمع من المتخرّجين المزوّدين بالمعارف والمهارات التعاونية، واستعمالات التكنولوجيا، والذين ينتهجون فكر الإبداع لخدمة الوطن والإنسانية.
من هنا، تُعد نشأة المدرسة الذكية في لبنان، ضرورة مجتمعية لتحقيق ما لا يمكن للمدرسة التقليدية القيام به في السنوات القادمة، والتي لم تَعد مهيّئة بمناهجها ونظامها التعليمي مواجهة التحدّيات العالمية في ظل الانفتاح الثقافي والاقتصادي العالمي، والتطوّر المذهل في تكنولوجيا المعلومات.
إنَّ مشروع المدرسة الذكية سيكون رافعة للمنظومة التربوية بمجملها، وإلى جانب ما ذكرناه، قد تشمل استعمالات تكنولوجيا المعلومات عملية تحديث المباني، والخدمات والمرافق في المدرسة، بواسطة تحكم آلي وتطبيقات ذكية، وصولاً إلى ابتكار حالة جديدة في الحياة المدرسية لتشمل الأقسام التعليمية والإدارية والمالية والفنية.


فوائد المدرسة الذكية 
نذكر أبرز ما يمكن أنْ تقدّمه المدارس الذكية بإستعمالات تكنولوجيا المعلومات، كالآتي:
– سهولة حصول المتعلمين على المعارف في الغرف الصفية أو عن بُعد في حال المرض أو في وقت الأزمات المختلفة.
– لا يحتاج المتعلمون إلى شنطة مدرسية وبالتالي لا يحملون أوزان عند الذهاب الى المدرسة.
– لا يحتاج المتعلمون للأوراق، إذْ يكون الإعتماد على الصفحات إلكترونية، ويمكن أنْ تكون هذه المدارس صديقة للبيئة.
– التواصل السريع بين المدير والموظفين والمعلمين والمتعلمين وأولياء الأمور، ويمكن إرسال النشرات الكترونية إلى أفراد أيّ فئة وفي أيّ وقت بالإعتماد على التطبيقات الذكية.
– سهولة في عملية تنظيم الامتحانات الأسبوعية والشهرية والفصلية، والدقة في تقييمها.
– متابعة حضور المتعلمين لحظة وصولهم إلى المدرسة، من خلال استعمال التطبيقات الذكية وتكنولوجيا المعلومات، وإرسال رسالة نصيّة إلى أولياء الأمور بطريقة أوتوماتيكية لإبلاغهم بذلك فور دخول أبنائهم المدرسة.
– يمكن للإدارة تحديد المكان الذي يتواجد فيه المتعلم ضمن مباني المدرسة ومرافقها.
تُعد المدرسة الذكية Smart School بيئة نموذجية للتعليم الالكتروني، تُسهم في نهضة المجتمع، وتطوير النظام التربوي، تُواكب العصر وتُلائم رغبات أجيالنا الرقميّة وحاجات سوق العمل الجديد، إنها مستقبل الإنسان الذكي.

*د. رائد عصام محسن، دكتوراه في الإدارة التربوية
أستاذ مساعد في كلية التربية، جامعة الجنان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى