الملحقمجتمع
أخر الأخبار

ستبقى شمعتك مُضيئة يا جمال

الطائر – لبنان:

كتب صلاح سلام في جريدة اللواء
من نكد هذا الزمن الكوروني الرديء أن الوباء الخبيث يخطف الأحباء والأصدقاء على حين غرة، دون أن يتيح لنا نظرة الوداع الأخير، ولا فرصة لتكريم الراحلين.
وهذا ما حصل مع الزميل والأخ والصديق جمال الشمعة، رئيس قسم التصوير، الذي صمد وكافح المرض الخبيث وكاد أن يتغلب عليه، عندما داهمته جائحة الكورونا، ولكن مناعته كانت أضعف من أن تُقاوم هذا الوباء الغادر.
لم يتعاط كبير مصوري «اللواء» مع الكاميرا كآلة صماء، بقدر ما كانت لقطاته هي القلم الذي يسجل فيه الأحداث الساخنة، ويجسد من خلالها أحاديث عشرات السياسيين، من رؤساء ووزراء ونواب حاليين وسابقين، ويوثق إنفعالات شخصيات إقتصادية واجتماعية وأكاديمية، ويُعبر فيها عن صرخات الغضب في التظاهرات والتجمعات الجماهيرية الثائرة على المنظومة السياسية الفاسدة، والتي بلغت ذروتها في إنتفاضة ١٧ تشرين.
كان يوصل الليل بالنهار وهو يتابع حراك الشباب المتمرد على السلطة التي سلبته حقوقه في العيش الكريم، وحطمت طموحه بوطن يتسع لكل أبنائه، وحرمته من دولة تقوم على مبادئ العدالة والمساواة والكفاءة، بعيداً عن أساليب الإذلال بالتبعية والزبائنية، والخطابات الطائفية والشعبوية، التى تُشعل نيران الفرقة والصراعات الفارغة بين أبناء الوطن الواحد.
بقي متمسكاً بالمناقبية المهنية، رغم كل الإغراءات، محافظاً على كرامة العمل، وعلى أسرار المهمات الصعبة، ومعتصماً بالصمت في ساعات الغضب، وحريصاً على التعاطي مع رفاقه بأخوّة وتواضع، بعيداً عن تسلط الرئيس على مرؤوسيه.
كانت الابتسامة وسيلته الأولى في معالجة المشاكل الطارئة مع الزملاء، ويُبدي إستعداداً دائماً لتلبية متطلبات مهنة المتاعب برحابة صدر، ودون تذمر أو تأفف، لأن الأولوية عنده كانت دوماً إنجاز المهمة أولاً، على طريقة «نفذ ثم اعترض».
وعندما تعرضت مكاتب «اللواء» للتفجير عام ١٩٨١، في ليلة ظلماء من ليالي حروب «الأخوة الأعداء»، نجا بأعجوبة من يد الغدر، لأنه كان يبيت ليلته في مكاتب الجريدة، على إيقاع التراشق الناري الذي كان مشتعلاً في أحياء العاصمة.
بغياب «أبو خالد» نفتقد نموذجاً راقياً في العمل المنتج، ومستعداً للتضحية من أجل رفع راية «اللواء» بشجاعة مهما بلغت الصعوبات.
جمال الشمعة ستبقى شمعتك مضيئة على دروب الإخلاص والوفاء لمؤسستك ورفاقك الذين حرمتهم ظروف الكورونا من تكريمك في رحلتك الأخيرة عن هذه الدنيا الفانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى