الطائر – كندا:
ها هو سيف البحر الكندي يثور من جديد، فلا الارض بقيت ارضه ولا الشعب هو نفسه شعبه، اعتلى خشبة مسرح Marcellin-Champagnat وتنكّر بزي اندريه ابراهيم الآتي من اوتاوا علّه يمحي علل البلد ووصايته وتشرذمه في تلك الساعة المخصصة لعرضه في مونتريال وما قبلها اوتاوا.
وها هي مسرحية صيف 840 تعود الى الواجهة وبعد أكثر من 30 عاما على عرضها في كندا من اخراج المبدع جيري عبسي وبطولة اندريه ابراهيم الفنان الشامل الذي عرف كيف يقنع جمهوره وعلى مدى ساعتين من الزمن بأدائه المرهف وحسّه الموسيقي المشبع بالدراسة الاصيلة مع فرقته التي وتزامنًا مع عيد تأسيسها قدّمت عملها بمشاركة الرعيل الاول والجيل الصاعد من ابنائها الذي رافق أهله على المسرح كتحيّة خاصة ليس فقط لقدوتهم في عشق المسرح اللبناني انما لروح الاخوين رحباني اللذين سيكونان سعيدين بالمشعل الذي حمله الاغتراب ويطمئنّا على هوية ورسالة المسرح اللبناني الهادف.
حضر المسرحية التي اراد فريق العمل تقديمها تحية لروح الراحل ربيع يزبك الذي رافق الفرقة لسنوات طويلة، قنصل لبنان العام طوني عيد، راعي ابرشية كندا للروم الملكيين الكاثوليك المطران ميلاد الجاويش، ممثل طائفة الموحدين الدروز الشيخ عادل حاطوم، الاب برنار باسط، اهل الصحافة وحشد من ابناء الجالية اللبنانية والعربية من محبي مسرح الرحابنة العريق.
تحمل مسرحية صيف 840 لفرقة “نجوم لبنان” الطرافة والحقيقة في قالب موسيقي جذّاب عادت لتلقي الضوء على حقبة عاشها لبنان ابّان الحكم العثماني ملقية الضوء على قضايا اجتماعية وسياسية مهمة، مثل الفساد، والظلم، والتمييز الاجتماعي، وتضعها في سياق كوميدي ساخر يعكس رؤية الأخوين رحباني الساخرة للواقع، اما اسلوب الكتابة فيتميز وكعادة الرحابنة بالعمق والتفكير النقدي، مما جعل من المسرحية ذات أهمية لا تقدر بثمن في فهم الثقافة والمجتمعات العربية، والتي اعادها عبسي وابراهيم الى الاضواء الكندية مع المحافظة على الجو التاريخي الذي قدمت فيه سواء بالملابس التراثية او اللكنة اللبنانية المحببة او بالموسيقى والغناء ما اعاد الى اذهان الناس حقبة تقديمها في تسعينيات القرن الماضي وتعريف الجيل الجديد على تراث بلادنا الغني بكل الوان الفنون.
لعب اندريه ابراهيم دور سيف البحر الثائر على الظلم، المقاتل الشرس في وجه الطغيان والراكض خلف الحرية بإعلان ثورة العامية المناهضة للذل والاستعباد فأقنعنا الى حدّ الاستمتاع بكل مشهدية سواء كانت لوحده أم مع بطلة العمل ميرا -لينا بدر- التي تفوقت على نفسها اداء وغناء فشكلت مع البحّار ثنائيا جميلا هي الابنة المدللة لليوز باشي عساف الذي لعب دوره كلود حكيّم، هذا طبعا بالاضافة الى الادوار الاخرى التي اجاد الممثلون لعبها نذكر منهم على سبيل المثال زياد رحباني في دور ابو الياس الفالوغي وربيع الابيض حداد في دور بيكباشي مختار وطوني يعقوب في دور الشاويش والكس غزال في دور اتريس وتريستان ابراهيم في دور مستر وود وغيرهم ممن لفتوا الانتباه الى مواهبهم سواء بالتمثيل او الغناء او رقص الدبكة فكانت الفرقة بأكملها اشبه بلوحة فسيفسائية جميلة مشغولة بمهارة لبنانية اغترابية أقل ما يقال عنها ابداعية احترافية.
في مسرحية “صيف 840″، يقدم غسان صليبا في لبنان أداءً استثنائيًا في دور سيف البحر، ويقدم اندريه ابراهيم في كندا اداء لافتًا في لعب دور تلك الشخصية المميزة والمبدعة التي تجمع بين العفوية والفكاهة والعمق خصوصا وانها تتنقل ما بين الكوميديا والدراما بمهارة، ما يضفي على المسرحية طابعًا فريدًا وجاذبية خاصة، وككل اعمال الرحابنة استطاعوا ان يأخذونا الى الصراعات السياسية والاجتماعية مع ما يرافقها من تخطيط ودراسات بقالب فني عريق فكانوا من أبرع مدوني الحقبات التاريخية باسلوبهم الشائق المليء بالجرأة والحقيقة، وكنا نحن من أمهر المتلقّين والباحثين دوما عن اهمية وعراقة بلادنا من خلال الفن سواء كنا في لبناننا او في مغترباتنا وكندا واحدة منها.
اسدلت الستارة ليل الاحد في مونتريال -كندا على مسرحية وطنية اجتماعية غنائية بامتياز، مسرحية “صيف840” للمبدعين اللبنانيين الكنديين جيري عبسي واندريه ابراهيم وفرقتهما “نجوم لبنان” لكن لم يسدل معها حب الوطن والدفاع عنه والذي لطالما قدمه الرحابنة في مسرحهما الاستثنائي بكل المعايير، كما وستبقى هذه اللوحة الفنية الاغترابية بصمة مشرّفة في عالم الفن الاصيل.