الطائر اللبنانيالملحق

جمعية بيت لبنان العالم تحتفل بالذكرى التاسعة والستين لعيد الجيش اللبناني

IMG_0152

الطائر – ضبية:  أطلقت جمعية بيت لبنان العالم لمناسبة عيد الجيش التاسع والستين عناوين وثيقة “حماية الاعتدال” في احتفال اقيم في قصر المؤتمرات – الضبية في حضور النائب ياسين جابر ممثلا رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري ،الوزير سجعان قزي ممثلا رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، الوزير الان حكيم ممثلا الرئيس امين الجميل، الوزير عبد المطلب الحناوي ممثلا الرئيس ميشال سليمان، أنطوان زهرا ممثلا رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، النواب فادي الهبر، نعمة الله ابي نصر، جمال الجراح، هادي حبيش، الان عون، محمد الحجار، وحشد من الشخصيات الرسمية والسياسية والروحية والفكرية والفنية والاجتماعية.
هندي
افتتح الاحتفال بالنشيد الوطني الذي أدته جوقة اطفال السيدة – سن الفيل، ثم عرض وثائقي “عناوين وثيقة الاعتدال “، فألقت كلمة جمعية بيت لبنان العالم رئيستها بتي هندي وجاء فيها: “يعز علي كما على غالبية اللبنانيين ان نحتفل اليوم بالذكرى التاسعة والستين لعيد الجيش اللبناني في غياب القائد الاعلى للقوات المسلحة، اي رئيس الجمهورية اللبنانية. لكن الجمهورية باقية وسيكون لها رئيس وسيكون الجيش اللبناني كما عهدناه دوما الظل الذي يحمي الجمهورية في كل ظروفها.”
أضافت : “حين قررت الجمعية اطلاق حملة وثيقة الاعتدال ظن بعضهم اننا نعيش في عالم آخر. سئلنا عشرات المرات عن اي اعتدال نتحدث والمنطقة تتشظى تطرفا وحقدا من غزة الصامدة الى العراق الجريح، من سوريا النازفة الى ليبيا المهددة باقتتالها. عن اي اعتدال نتحدث والتطرف لا يميز في قتل الاطفال والنساء وقطع رؤوس الرجال، اي اعتدال والناس تطرد من منازلها بسبب دينها او موقفها السياسي او اسلوب حياتها؟ اي اعتدال في ظل الحرمان والفقر والإحساس بالظلم والقهر في كثير من مجتمعاتنا؟ “

وتابعت :”لكن لهذه الأسباب تماما كانت وثيقة حماية الاعتدال. وثيقة تريد ان تقول ان ما يجري لا يشبهنا. لا يشبه اكثريتنا. واننا اهل اعتدال وانفتاح مهما حاول التطرف ان يضيق علينا الخناق. لهذه الأسباب تماما اخترناعنوانها الاول الجيش حامي الاعتدال. فنحن المعتدلون وجيشنا والحق أكثرية.”

وأشارت الى ان “في إجماع اللبنانيين حول الجيش اللبنانيين حول الجيش اللبناني ترجمة صادقة لرغبتهم في ظل يحمي اعتدالهم. لكن الاعتدال ليس مسؤولية الجيش وحده. هو مسؤوليتنا جميعا.”

وشددت على ان “الاعتدال اسلوب حياة وتفكير وله آليته ومعابره الإلزامية”. 

وختمت “الاستقرار النسبي الذي نعيش فيه وسط الجنون من حولنا لن يصمد ان لم نجتمع من جديد حول ثوابتنا الوطنية وفي طليعتها ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية ودعم جيشنا البطل، المنتشر على كل شبر من مساحات الوطن. جيشنا حامي الاعتدال والمحتمي به.”

حتي
ثم حيا سفير جامعة الدول العربية في روما والفاتيكان د ناصيف حتي ” الجيش اللبناني، هذا النموذج الرائد في الاندماج الوطني، وهذه المدرسة الكبيرة في العطاء والتضحية في سبيل الوطن.”

وقال :”ان دور جيشنا الوطني والأجهزة اللبنانية التي احيي دورها وما تقوم به، يكتسب اهمية حيوية واستراتيجية في هذه المرحلة، مرحلة العواصف العاتية والتسوناميات الآتية المحيطة بلبنان.”

اضاف:” لبنان يعيش في بيئة تمتد من الخليج الى المتوسط تشهد اليوم صراع استراتيجيات كبرى. حروب أهلية إقليمية.” وتساءل : ” كيف نحمي لبنان الذي يعيش حالة من التوتر الممسوك وهو ليس بجزيرة معزولة في الجغرافيا والاجتماع والثقافة والسياسة عن بيئته العربية والشرق أوسطية؟ كيف نحمي لبنان التنوع في عصر صدام الأصوليات وصدام الجاهليات وصدام الفوبيات او المخاوف وهي ظاهرة عالمية ترسخت في تغذية صراعات رو في تعزيز حروب مختلفة في منطقتنا؟”

وقال : “نحن امام ابعاد ثلاثة لمواجهة ناجحة وفعالة لهذه التحديات الوجودية بغية حماية النسيج المجتمعي اللبناني وتعزيز العيش المشترك وتمكين الدولة. اولا البعد الامني، او الامن الصلب وهو ما يقوم به الجيش اللبناني والاجهزة الامنية اللبنانية والتي يجب توفير كافة انواع الدعم المطلوب لها لحماية الوطن ومنع حصول اي انكشاف امني قد يدفع بلبنان نحو سيناريوهات مخيفة نرى بعضها في محيطنا العربي القريب. اضف الى ذلك مخاطر وجود عدو على حدودنا الجنوبية، عدو لا يفهم الا لغة الردع والقوة، ويطمع بالارض والمياه والهيمنة ويمارس سياسة التهديد والقتل لمنع الشعب الفلسطيني من اقامة دولة مستقلة.”

وتابع : “ثاني هذه الابعاد، البعد السياسي، وارى ان المطلوب بلورة ميثاق شرف ليكون الفعل السياسي مبنيا او منغرسا في ثقافة الحوار والتواصل والانفتاح على الاخر، الخصم او المنافس في السياسة، ولكنه الشريك في الوطن، وكذلك البناء على المشترك والعمل على تعزيز الثوابت الوطنية ودولة المؤسسات ليس كعناوين او شعارات نعود اليها عند الحاجة انما كمضامين ناظمة ومفاهيم حاكمة لقواعد العمل السياسي وسلوكيته.”

وقال : “ثالث هذه الابعاد، البعد المجتمعي الذي يستدعي تبني استراتيجية وطنية للتنمية الشاملة والمتكاملة في عناصرها. ومن اهم هذه العناصر دون شك ، التعليم، رافعة التنمية الوطنية، والذي له دور اساسي في تعزيز ثقافة الحوار والتفكير النقدي وقيم الانفتاح وتعزيز مفهوم المواطنة، المدماك الرئيسي والعنصر الاساسي في اي اصلاح سياسي منشود والضروري في اي عملية بناء مؤسساتي ديمقراطي ينقل لبنان من حالة فدرالية الطوائف ايا كانت مسمياتها التجميلية، الحالة المولدة للازمات في شكل دائم والجاذبة للتدخل المستمر، الى الدولة العصرية ايا كانت العوائق والصعوبات الجسمية امامها. ويبقى العنصر الاقتصادي الاجتماعي اساسيا في مواجهة التطرف والارهاب، انه العنصر المهمش او المنسي للاسف في العمل السياسي في لبنان. فنحن دائما منشغلين بالقضايا والاستراتيجيات الكبرى نتصارع حولها وباسمها متجاهلين او غير مكترثين الا موسميا بالقضايا الحياتية وهي القضايا الحيوية للمواطن اللبناني ايا كانت انتماءاته. فالتنمية الاقتصادية الاجتماعية المتوازنة لاصلاح العديد من الاختلالات الهيكلية على المستويين القطاعي والمناطقي امر اكثر من ضروري حفاظا على التوازن المجتمي والاستقرار الوطني.”
وختم : ” هذه التحديات تتطلب العمل ليس على المستوى الرسمي فحسب بل ايضا على مستوى كافة قوى المجتمع المدني. فالنجاح في مواجهة هذه التحديات وهي عملية ليست بالسهلة ولكنها ليست بالمستحيلة، يوفر شبكة امان وضمان للبنان تسمح بان نطوي الصفحة نهائيا على وظيفة لبنان الساحة وصندوق بريد في الصراعات الخارجية، الكل فيها خاسر طالما خسر الوطن وخسرناه. وبذلك نستطيع ان نعيد للبنان دوره كمنارة فكر وجسر تواصل بين الاسرة العربية والعالم ومختبر تفاعل خلاق للتيارات الفكرية السياسية المختلفة في المنطقة.”

جابر
وبعد وقفة مع اعلان تلفزيوني مصور ل” بيت لبنان العالم “، ألقى ممثل الرئيس نبيه بري النائب ياسين جابر كلمة جاء فيها : اود بداية ان اتقدم بالشكر من ” بيت لبنان ” ومن رئيسته السيدة بتي هندي وزملائها لمبادرتهم الى تنظيم هذا الاحتفال بمناسبة عيد الجيش. كما اتقدم بالشكر لدعوتي للمشاركة والقاء كلمة بهذه المناسبة، وهذا شرف كبير لي، خاصة ان المناسبة وطنية بامتياز، وان العنوان “اي حماية الاعتدال” يأتي في الزمن المناسب، زمن يكاد التطرف والتعصب الاعمى ورفض الآخر ورفض العيش المشترك، يدمر المنطقة العربية ويدق ابوابنا.نقف اليوم هنا واياكم، في الذكرى التاسعة والستين لعيد الجيش اللبناني لنحيي هذا الجيش وقيادته وشهدائه، ولنشد على ايدي جنوده ورتبائه وضباطه، الذين عهدهم الوطن، كل الوطن، من جنوبه الى شماله، ومن جبله الى بقاعه، الى عاصمته بيروت، اشداء على الاعداء مقدامون في الدفاع عن لبنان، جنوبا في مواجهة العدو الاسرائيلي، وداخليا في مواجهة الارهاب حفاظا على السلم الاهلي والاستقرار. ونحن نحيي الجيش على دوره البطولي في التصدي للارهاب الدموي المجرم، وتفكيك شبكاته واعتقال العقول المدبرة والمخططة والمشرفة على سيارات الموت التي سببت مجازر بحق الجيش وبحق المواطنين الابرياء، وقد اثبتت المؤسسة العسكرية انها في جهوزية دائمة لمواجهة الارهاب التكفيري، وهي تقوم بدور ريادي في هذا المجال.

ان التحديات التي تواجهنا اليوم تفرض على كل اللبنانيين ان يقفوا صفا واحدا خلف الجيش اللبناني وقيادته، هذه القيادة التي اثبتت رغم الصعاب انها على مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقها. وقد بات الجيش، في الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان، وفي ظل حالة الغليان المذهبي الطائفي التي تعيشها المنطقة، ومع تمدد الارهاب من دولة الى دولة ومن منطقة الى اخرى، بات هذا الجيش يشكل عصب وحدتنا الوطنية، وحامي استقرارانا الداخلي ومن واجبنا جميعا التعاون لاجل دعمه بالعديد والعتاد وتوفير الغطاء السياسي الذي يشد من عزيمته قيادة وضباطا وافرادا.

لقد اختار منظمو الاحتفال ان يطلقوا اليوم عناوين وثيقة ” حماية الاعتدال ” وواقعا، ففي الاعتدال خلاصنا وخلاص لبنان. وقد دعونا وفي مناسبات عديدة الى قيام تحالف المعتدلين لاجل حماية لبنان، وحماية الصيغة اللبنانية الفريدة التي ترتكز على قبول الاخر، والعيش المشترك، وترفع شعار الدين لله والوطن للجميع. ان ما يرتكب من حولنا من مجازر وجرائم لا يقبلها دين ولا تجيزها الشرائع السماوية ولا يقرها اي مبدأ انساني، يحتم علينا ان نوحد صفنا الداخلي ونشبك ايدينا كأهل اعتدال لاجل محاربة هذه الظواهر البعيدة كل البعد عن الدين.

لكن علينا ان نتذكر انه لن يقوم اعتدال الا مع قيام المؤسسات التي تحمي هذا الاعتدال وفي طليعتها الجيش والقوى الامنية والقضاء. وبدون قيامة مؤسسات وجعل الاعتدال وحيدا اسلوبا لتدبير امورنا لن نتمكن من تحقيق الدولة التي لطالما حلمنا بها، الدولة الديمقراطية العادلة، حيث يكون النظام والقانون هو الحكم بين المواطنين.

كما علينا ان نتذكر ان الاعتدال هو ليس حبة دواء تعطى للانسان فيتحول من متطرف الى معتدل بل هو اسلوب تربية تزرع الفكر المعتدل في العقول الناشئة وعلينا في لبنان ان نتعلم من تجارب الأخرين الذين استطاعوا مع الوقت ان يحققوا تغييرات لم يكن احد يتصور انها ممكنة، فدول عديدة استطاعت خلال العقود الماضية ان تتغلب على مشاكل التمييز العنصري والطبقي.

ايها السيدات والسادة
لا يمكن ان نتحدث عن قيام المؤسسات دون ان نتذكر ان لبنان اليوم بلا رأس للدولة والرئاسة هي حبة العقد في المؤسسات ونحن نواجه خطر تفكك مؤسسات الدولة مع اقتراب الاستحقاقات المختلفة. لذلك نطالب بضرورة الاسراع في انهاء الشغور في موقع الرئاسة لأجل ان يعود الانتظام الى الحياة الدستورية والسياسية فاستمرار الشغور لا يجوز ويهدد مستقبل لبنان واللبنانيين.

اخيرا لا يمكن للمرء ان يتحدث عن مناسبة عنوانها الاعتدال دون ان يستنكر ويدين ما حصل ويحصل في الموصل من ممارسات من قبل بعض الجماعات التكفيرية المأجورة بحق المسيحيين خاصة والعراقيين بشكل عام. ممارسات لا تمت للدين الاسلامي بأي صلة لأن الاسلام دين تسامح ومحبة والاسلام بريء من هذه الارتكابات وعلى الدول العربية والاسلامية الكبرى ان تتحرك لأجل وضع حد لهذه الجماعات المجرمة التي تعبث في الموصل والمنطقة خرابا وتدمر وتشوه صورة الاسلام والمسلمين. كما لا يمكن للمرء ان يتحدث دون ان يتذكر ما يجري في غزة حيث تخونني الكلمات واتذكر قول الشاعر “ماذا يقول الحرف في الشفتين ان نطق الدم” ودم اهل غزة ينطق كل ساعة وكل يوم ليتحدث عن التخاذل العربي والصمت الدولي وسقوط كل المبادىء الانسانية. اهل غزة يدفعون كل يوم ثمنا غاليا من ارواح اطفالهم ونسائهم وشيوخهم للحصول على الحرية ورفع الحصار الذي جعل من غزة اكبر معسكر اعتقال في تاريخ البشرية.

في الختام اكرر شكري ل”بيت لبنان العالم” متمنيا لهم النجاح الدائم في ما يسعون اليه وللجيش دوام العزة والشموخ وللبنان الحبيب دوام الاستقرار والازدهار.

ريفي
وبعد تقديم كورال الاطفال مجموعة غنائية وطنية عرض وثائقي عن الجيش وألقى وزير العدل اللواء أشرف ريفي كلمة جاء فيها: “نلتقي اليوم في عيد الجيش اللبناني الذي أفخر أنني انتميت الى مدرسته منذ التحقت كتلميذ ضابط في المدرسة الحربية. أهنئ المؤسسة العسكرية بعيدها، متمنيا لها قيادة وضباطا وأفرادا التوفيق والنجاح في حماية لبنان، عبر بسط سلطة الدولة بمؤسساتها الشرعية على كامل أرضها.

أيها الاصدقاء: أتوجه بالشكر لجمعية “بيت لبنان العالم” على تنظيم هذا الحفل تحت عنوان “حماية الاعتدال” أشكر لهم هذه المبادرة التي تعبر عن حس وطني، وعن وعي لما نعيشه من أحداث وأخطار.

ايها الاصدقاء: نشأت في كنف عائلة لبنانية مسلمة،في مدينتي طرابلس،مدينة التنوع والانفتاح. أخذت عن والدي الكثير من القيم واظبت على تطبيقها في حياتي. فقد تربينا كما غالبية اهلنا، ونشأنا على الإعتدال واحترام الآخرونبذ التطرف، وعلى تقديس التفاعل الايجابي بين الأديان وخصوصا بين الاسلام والمسيحية،هكذا كنا ونحن مستمرون بهذا النهج، لأن لا حياة لنا ولا مستقبل لابنائنا بدون الفهم الصحيح، لما تختزنه الاديان السماوية، من قيم ومثل تعطي للحياة معناها، ولمفهوم انسانية الانسان حقه ومضمونه، كقاعدة للتفاعل بين البشر الى أي دين انتموا.

أيها الاصدقاء: من لبنان الرسالة الذي تحدث عنه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، عشنا هذه التجربة معا، متساوين مختلفين ومتمايزين داخل الوطن الواحد والعائلة الواحدة، مؤمنين بأن الله سبحانه وتعالى خلقنا على صورته ومثاله، الله هو العدل والمحبة والرحمة، التي من دونها لا نستحق أن نكون مسلمين ولا مسيحيين ولا مؤمنين. ما تختزنه المسيحية وما يختزنه الاسلام من قيم، لا يمكن للفئات الضالة والمتطرفة أن تشوهها.

نعيش على هذه الارض معا منذ مئات السنين. لسنا فصائل مختلفة، ولا احرفا متنافرة، نعيش معا كأبجدية متناغمة هي نتاج تاريخ من الاخوة والانتماء الى عيش مشترك، وإلى قيم مشتركة.

لقد مر نموذجنا في العيش معا، بتجارب مريرة. اذ تعرض لاختبار الحرب الاهلية التي لم تكن للأسف مجرد حرب آخرين على ارضنا فقط، بل كانت امتحانا لنا مسلمين ومسيحيين، استخلصنا من خلالها أعمق العبر بعدما عشنا مآ سي كثيرة وسالت دماء بريئة وذرفت دموع كثيرة. لم تكن طريقنا في الخروج من الحرب سهلة ومن الطبيعي ألا تكون . لكن كلي ثقة أننا قادرون على اجتيازها، لأن نداء الحياة المشتركة أقوى من صوت العنف والتطرف والموت. 

اليوم وبكل واقعية أقول، أن الغالبية العظمى من اللبنانيين، لا تريد العودة الى الحرب ولا الى الفوضى، بل تريد دولة تقوم على أساس المواطنية وتحترم حرية الفرد وكرامته. الغالبية العظمى من اللبنانيين عاشت السلام وعرفت معنى أن يكون المسلم والمسيحي في هذا الوطن، شريكين في مساحة واسعة من القيم الاخلاقية والدينية والانسانية، كما في الالتزام بحب لبنان، البلد الفريد، الذي يناضل لتثبيت صيغته الفريدة،هذه الصيغة التي لا تشبه اي صيغة اخرى في المنطقة، باتت حاجة حضارية لنا وللعالم.

أيها الاصدقاء: لم يعد الاعتدال مجرد كلمة خشبية، يراد بها الهروب من مسؤولية المواجهة. المعتدلون في هذه المنطقة هم أهل القضية وعليهم مسؤولية ان يواجهوا بشجاعة، كل اشكال الاستبداد والارهاب التي هي ألوان مختلفة لصورة سوداء واحدة. .

لذلك، ونحن نواجه الاستبداد الذي أغرق منطقتنا بالدم، من سوريا الى العراق، والذي كبل وطننا بمغامرات مذهبية لا طاقة له على تحملها، علينا في الوقت نفسه، أن نواجه ردة الفعل المتطرفة التي ولدت أو تم استيلادها بفعل هذا الاستبداد. 

لقد سببت الأنظمة الدكتاتورية، الكثير من النتائج السلبية. وبات علينا الآن أن نكون اكثر وعيا وصلابة للوقوف بوجه ما انتجه هذا المحور التوسعي في سوريا والعراق ولبنان، حيث اغرقت سوريا بدم ابنائها، ووضع العراق في أتون حرب مذهبية ، فيما سبقت كل ذلك في لبنان حملة إجرامية ممنهجة هدفت الى القضاء على كل رموز الاعتدال من مسلمين ومسيحيين، بدءا من شهيد لبنان الكبير الرئيس رفيق الحريري، وصولا الى شهدائنا بيار الجميل وجبران التويني وسمير قصير وباقي الشهداء الأبرار.

لا ننسى معكم يا صاحب الغبطة،أن هذا النظام المجرم اغتال في العام 1989 رمز الاعتدال سماحة المفتي الشهيد حسن خالد، لأنه أصر أن يكون جسر عبور لقيامة لبنان، ولا يمكن أن ننسى وإياكم ما قام به باسم الكنيسة المارونية والمسيحيين، سلفكم الكبير الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، الذي فتح أبواب بكركي لتقبل التعازي بمفتي لبنان، في رسالة للقتلة تقول: سقطت الحواجز بين اللبنانيين.اما انتم يا صاحب الغبطة فقد سجل لكم اهل طرابلس مشاركتكم الشخصية في تقديم العزاء بشهداء تفجير مسجدي السلام والتقوى، يوم اقدم المجرمون المعروفون على ارتكاب هذه الجريمة الارهابية على ابواب بيوت لله..

للقضاء على الاعتدال وتقوية المتطرفين، فجروا الكنائس والمساجد، وفبركوا الملفات، وصنعوا المنظمات الارهابية في نهر البارد وأمكنة اخرى، التي زرعوا هذه المنظمات في الجسد اللبناني كي يفجروه من داخل، فوقفنا بوجههم وقفة رجل واحد، واحبطنا مؤامرتهم التي ارادوا تمريرها باسم الاسلام، وهو منها براء. 

للقضاء على الاعتدال اغتالوا الشهداء في لبنان، فرد الشعب اللبناني في 14 آذار بأبهى ثورة شعبية سلمية حضارية مدنية اذهلت العالم، وألهمت التغيير في بلاد العرب. 


للقضاء على الاعتدال، قتلوا في سوريا عشرات آلاف من الأبرياء السلميين العزل. اقتلعوا الحناجر بتهمة الغناء للحرية، قتلوا الاطفال، سلطوا اجهزة الامن لكي تقبض على الناس وتضعهم في السجن الكبير.

للقضاء على الاعتدال، مارسوا البطش وساهموا بتفريخ حالات متطرفة عنفية كي يبرروا اجرامهم.

للقضاء على الاعتدال مارسوا سياسة مذهبية في العراق، وحاولوا تغيير هويته العربية.

ايها الاصدقاء: في مواجهة هذا الإرث الثقيل الذي اورثنا اياه الاستبداد، والذي يتضاعف خطره بفعل مجموعات متطرفة نبتت في مستنقع الفوضى والعنف والتطرف والفهم الخاطئ للدين، ليس أمامنا الا أن نواجه ارهاب الاستبداد، والارهاب الناتج عنه. لقد قلت سابقا وأكرر إن ارهابين لا يبنيان وطنا، وأضيف أن ارهابين لا يمكن ان يكونا عنوانا لهذه المنطقة من العالم. فأهل الاعتدال من كل الطوائف هم الأكثرية، وعلى عاتقهم محاربة ثقافة الموت التي أنتجتها أنظمة الاستبداد، والتي اعطت المنطقة اسوأ نموذج من الارهاب والتطرف المرفوض. 

لا داعش ولا أخواتها يمثلون الاسلام. هؤلاء لا يمتون للإسلام بصلة، فلا إسلام متطرف بل إسلام واحد، اسلام الرحمة والاعتدال.اسلام الشورى والديموقراطية. اسلام احترام حرية الانسان والخيار الحر، فلا إكراه في الدين، هذا هو الإسلام . هذا هو اسلامنا وباعتزاز ننتمي اليه. .

ايها الحضور الكريم:
المواجهة مع هؤلاء وأمثالهم يجب أن تقوم وهي بدأت فعلا، على امتداد العالمين العربي والاسلامي، من المملكة العربية السعودية الى مصر وسوريا والعراق ولبنان. فهم وجدوا كتركيبة مشبوهة تشوه صورة الاسلام،و المواجهة معهم تقوم على المشاركة الاسلامية المسيحية، وعلى قاعدة مواجهتهم باعتبارهم جزءا من منظومة الاستبداد.
لا أكثريات ولا أقليات في هذه المنطقة، بل أكثرية واحدة، تحتكم للعقل والاخلاق والدين وللاخوة الانسانية.
نحن نؤمن ان المسيحية اصيلة في هذا الشرق، وهي لا تحتاج الى شهادة من أحد ولا تحتاج الى حماية من احد. من هذه الارض انطلقت الرسالات السماوية، وهذا الوطن سيبقى ارض تفاعل الرسالات.

معوض
كلمة الختام كانت للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي تلاها النائب البطريركي المطران جوزف معوض وجاء فيها:” 1- يسعدني ان احيي جمعية بيت لبنان العالم واشارك بايفاد معاوننا البطريركي ونائبنا العام في اهدن – زغرتا سيادة المطران جوزف معوض واوجه كلمة في هذه الندوة لاطلاق “حملة وثيقة الاعتدال” التي تدعو اليها وتنظمها بمناسبة عيد الجيش.

اني اعرب عن كامل تقديري لهذه المبادرة ذات الابعاد التربوية والاجتماعية والوطنية ويطيب لي ان اوجه تحية اكبار وتهنئة للجيش اللبناني بعيده اصوغها لقائده العماد جان قهوجي واركانه وضباطه وجنوده فننحني امام شهدائه ونقدر تضحياته في سبيل لبنان وحماية كيانه ارضا وشعبا ومؤسسات، نحييه كمدرسة للاعتدال ومكان عيشه وحاميه.

2 – الاعتدال فضيلة انسانية ادبية واحدى الفضائل الاربع المدعوة رئيسة ومحورية الى جانب الفطنة والعدل والقوة وفقا لتعليم الكتاب المقدس في سفر الحكمة (8:7)
الاعتدال فضيلة اي استعداد داخلي عادي وثابت في الانسان لفعل الخير واعطاء افضل ما في قلبه وفكره ونفسه وهو فضيلة انسانية لانها تتميز بالمواقف الراسخة والاستعدادات الثابتة في العقل والارادة التي تنسق افعالنا وتنظم اهواءنا وتقود سلوكنا وهو فضيلة ادبية تمنح التسلط على الذات والفرح وحرية صنع الخير والاخلاقية التي تميز تماما بين الخير والشر وتهيىء قوى الكائن البشري للمشاركة في الحب الالهي (راجع كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1804).

3 – كون الاعتدال من الفضائل الرئيسة الاربع ذات الدور المحوري بحيث تتجمع حولها سائر الفضائل فهو فضيلة اخلاقية تكبح جماح الشهوات والغرائز وتمنح الاتزان في الفكر والعمل والموقف في استعمال خيرات الارض وتحفظ الرغائب في حدود الاستقامة.
الكتاب المقدس يدعو الى فضيلة الاعتدال عندما يقول في سفر يشوع بن سيراخ: لا تتبع هواك وقوتك لسير في شهوات قلبك (5:2) وفي موضوع آخر: “لا تكن تابعا لشهواتك بل اكبح اهواءك”( 18:30). 

ويعلم بولس الرسول ان نعمة الله ظهرت، وهي ينبوع الخلاص لجميع الناس. فتعلمنا ان ننبذ الكفر وشهوات الدنيا، لنعيش في هذا الدهر باعتدال وعدل وتقوى. يجمع القديس اغسطينوس الفضائل المحورية الاربع بهذا التعليم” الحياة الصالحة ما هي الا محبة الله بكل القلب وبكل النفس وبكل الفعل. فنحتفظ له بمحبة كاملة بفضيلة الاعتدال، محبة لا يزعزعها سوء بفضيلة القوة، ولا تخضع الا لله بفضيلة العدل، وتسهر على التمييز بين كل الاشياء لكي لا يفاجئها مكر او كذب بفضيلة الفطنة.

4 – اننا نمتدح حقا سعي جمعية بيت لبنان العالم الى وضع وثيقة لبنانية جامعة حول الاعتدال، في كل من مجالات السياسة والاجتماع والثقافة والتربية والاعلام. فلبنان مميز باعتداله، لانه بحكم ميثاق العيش معا بين المسيحيين والمسلمين، اختار نظاما سياسيا ميزته الاعتدال، لانه متوسط بين النظام الديني التيوقراطي، الذي يجمع بين الدين والدولة، وغالبا ما يجنح نحو التشدد والروح الاصولية، وبين النظام العلماني، الذي يفصل تماما بين الدين والدولة، وغالبا ما يجنح نحو التفلت من القيم الدينية والاخلاقية والتراخي فيها كلها. وقد لفت قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في ارشاده الرسولي: ” الكنيسة في الشرق الاوسط، شركة وشهادة ” الى هاتين الواقعتين في بلدان الشرق الاوسط وهي العلمانية والاصولية. اما لبنان فقد تخطاهما بنظامه السياسي المتوسط وبميثاقه الوطني.

5- تأتي هذه الندوة من اجل حماية الاعتدال في وقتها المناسب، فيما نشهد اليوم في بلدان الشرق الاوسط، ابتعادا ملحوظا عن الاعتدال، بسبب ظهور الحركات والمنظمات الاصولية الاسلامية وتناميها وتقويتها، ونرى ما بلغ اليه مثلا تنظيم داعش، اي الدولة الاسلامية في العراق والشام، في الموصل وتحديدا مع المسيحيين وفي لبنان بسبب التفرد في القرار السياسي وبخاصة في مخالفة الدستور والميثاق وعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وفي سواه من القرارات الوطنية، وفي استعمال السلاح غير الشرعي كما نشهد عندنا الكثير من التفلت من القيم الاخلاقية والانسانية والروحية، ومن ثقافتنا وحضارتنا اللبنانية.

6- اجل، نحن بحاجة الى استعادة الاعتدال الى لبنان الذي اعلن عن نفسه في مقدمة الدستور انه جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وان الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسات الدستورية وان النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها.

7- هذا الاعتدال اللبناني هو الاساس لاعلان تحييده وحياده الايجابي، بمعنى انه لا ينخرط في المحاور الاقليمية والدولية، بل يلتزم قضايا العدالة والسلام وحقوق الانسان، وفي طليعتها القضية الفلسطينية، والشؤون العربية الثقافية والحضارية ومستلزمات ضفة المتوسط الشرقية. كما ان الاعتدال اللبناني اساس لاعلان لبنان رسميا مركزا للحوار بين الاديان والثقافات والحضارات.

واننا، فيما نثني على مبادرة ” بيت لبنان العالم ” بعقد هذه الندوة لاطلاق ” حملة وثيقة الاعتدال ” ندعو لها بالنجاح والبلوغ الى نشر ثقافة الاعتدال، والى المحافظة على لبنان كنموذج لهذا الاعتدال.

وختاما إطلقت اغنية ” متل الشجر مزروعين ” للفنانة هبة طوجي شعر غدي الرحباني موسيقى اسامة الرحباني. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى