اليوم العالمي للتوحّد في جامعة الروح القدس
الطائر – لبنان:
احتفلت جامعة الروح القدس- الكسليك باليوم العالمي للتوحّد، فنظّم قسم علم النفس في كلية الفلسفة والعلوم الإنسانية ومركز الأخلاق العامة وخلقيّة الحياة في الجامعة ندوةً بعنوان “التوحّد: هو ليس إعاقة إنما قدرة مختلفة”، بحضور عميد الكلية المنظمة الأب جان رعيدي، بالإضافة إلى رؤساء الأقسام وحشد من الأساتذة والطلاب.
زلاقط
بعد كلمة تقديم للطالب ميشال صفير اعتبر فيها أنّ “هذه الندوة تشكل فرصة لفهم التوحّد وخلق نظرة جديدة بالنسبة إلى المتوحّد على أنّه إنسان قادر على الاندماج والتفوّق”، ألقت رئيسة قسم علم النفس الدكتورة نادين زلاقط كلمة أشارت فيها إلى أنّ “اليوم العالمي للتوحّد يهدف إلى التعريف به وبواقعه. من هنا، كان تنظيم هذه الندوة المتعددة الاختصاصات لتقديم معلومات حول التوحّد الذي يجهله عدد كبير من اللبنانيين. على أمل أن يساهم هذا اللقاء في نشر التوعية حول التوحّد لاسيما لدى الاختصاصيين ومكافحة كل أشكال التشويه والتمييز”.
سغبيني
ثم كانت مداخلة للدكتور منير سغبيني الذي اعتبر أنّ “حالة التوحد ليست طبيعية وحسب، إنما هي أيضاً أسلوب وحياة غير مألوفة. إنّ الشخص التوحدي هو شخص يتمتّع بصفات وقدرات ذاتية بحد ذاتها غير مألوفة بالنسبة إلى الشخص العادي، وله تركيبة عقلية مختلفة، مشدداً على أهمية الإصغاء للإنسان المتوحّد الذي يعاني صعوبة في معرفة التميز بين الأنا ولا أنا أي الآخر. لذلك، فهو يستعمل وسائل غير عادية ليخاطب من خلالها العالم الخارجي، ومنها وسائل التحطيم الذاتي التي تكون محاولة لسد الفراغ النفسي الاجتماعي الذي يعيشه، وعلامة صارخة ومنبهة في التعبير وطريقة حقيقية في الاتصال مع العالم الخارجي، ونداء للآخر للاستغاثة والتعبير عن قلقه. ويتلاشى هذا التعبير عندما يحصل الإنسان التوحدي على ما يريده. لهذا السبب نقول بأن البعد العاطفي يلعب دوراً أساسياً في تحديد أو تغير السلوك العدواني لديه. لذا، علينا أن ندرك كيفية السلوك ونحلل بعمق الحالة النفسية والبيئية لهذا الشخص لمساعدته على تغيّر سلوكه نحو ذاته ونحو الآخرين انطلاقاً من إظهار ثقتنا به وثقته بنا”.
وختم بالتشديد على أنّ “تأهيل العاملين في مجال التربية وعالم أصحاب الاحتياجات الخاصة وأصحاب التوحد ومساعدة الأهل يشكل الركن الأساسي في عملية التشخيص…”
هنود
بعد ذلك، قدمت السيدة غادة مونس هنود شهادة حياة، وهي أم لطفل متوحد اسمه مكسيم، عمره اليوم 13 سنة. وعرضت فيها “لمسيرتها منذ ولادة مكسيم واكتشاف حالة التوحّد لديه منذ أن كان طفلاً مروراً بالعدد الهائل من الفحوصات الطبية لتشخيص هذه الحالة. كان مكسيم طفلاً هادئاً لا يُظهر أي ردّات فعل، لم يكن يبكي ولا يضحك. ومع مرور الوقت، تفاقمت المشكلة حيث لم يعد يهتم باللعب ولا بالآخرين ولم يعد قادراً على تطوير مهاراته. كما تحدثت عن تفاصيل الحياة اليومية مع ابنها والصعوبات التي تواجهها لاسيما لجهة الصعوبة في التأقلم مع الآخر وتأدية المهام العادية مثل تناول الطعام والاهتمام بالنظافة الذاتية. وبالرغم من هذه الصعوبات، يريد المتوحّد أن يكون مسروراً وفاعلاً وأن يتمتع بصحة جيدة. إنّ التعلّم لدى المتوحدين ليس عملية عفوية بل يتطلب مراحل كثيرة. ومن المعروف أن الشخص المتوحد يكره التغير ويجد صعوبة في التأقلم مع كل ما هو جديد، وهنا يبرز دور الأهل وذكائهم لمساعدة ولدهم على التأقلم بسلاسة”.
وخلصت إلى القول: “مكسيم ورفاقه يحبون الحياة، ويطمحون ليكونوا سعداء ويستمتعون بالحياة. وصحيح أنّ تواصلهم معنا غير نمطي وطريقة إفهامهم لحاجاتهم هي مختلفة، لكن، يقع على عاتقنا أن نفهم ونحلل كل تصرف يقومون به لفهمهم أكثر. هم مصدر غنى للإنسانية، هم فرصة لنختبر عظمة الحب كي نرافقهم طوال حياتنا، هذا الحب الذي يحررنا ويقودنا إلى التماس هذا التنوع وعدم الخوف من كل ما هو مختلف عنّا. هذه هي قوتنا كأهل لمساعدة أولادنا كي يجدوا مكاناً لهم في عائلتنا الصغيرة والكبيرة، في مجتمعنا ومدارسنا وجامعاتنا ومستشفياتنا. أطفالنا هم مواطنون لبنانيون، وعلينا أن نحمي حقوقهم وأن نعمل على تشريع قوانين تلبّي حاجات كل مواطن لبناني من ذوي الاحتياجات الخاصة”.
الأب شلالا
وختم اللقاء بكلمة مدير مركز الأخلاق العامة وخلقيّة الحياة الأب شربل شلالا الذي اعتبر أنّ “الضعف هو مزود الحب والتعاطف والشجاعة. فبدل تحويل الخوف إلى إدانة، علينا أن نحترم ما هو موجود في كل ضعف. أحياناً، نرفض الضعف لأننا نرطبه بالمشاعر السلبية، مثل الخوف، الخجل والحزن. وبما أنّ الحياة الروحية تشكل طريقاً للضعف، فإنّ الإنسان المتوحد ينمّي حياة روحية غنية. ويبقى المهم أن نعلّم الإيمان للإنسان المتوحد كي يتحرر. نعم، السلوك المختلف يُزعج، ولكن هل هذا يعني حبس الأشخاص ذوي السلوك المختلف أو تهميشهم أو عزلهم؟ التوحد هو جزء من هذا التنوع البيولوجي البشري. الإنسانية هي مجموعة أشياء، وليست إنسانية واحدة. والتعبير هو مجموعة تعابير، فلماذا لا نترك هذا التنوع بأن يأخذ مجراه في حياتنا؟”
وتابع الأب شلالا بالقول: “إنّ قوة التأقلم موجودة عند الأشخاص وهي حالة طبيعية كي يتماشى الإنسان مع الواقع، والتكرار هو وسيلة لتخفيف التوتر وإظهار العواطف وخلق أحاسيس، واحترام إيقاع الأشخاص ومحدوديتهم زاوية مهمة لمرافقة جيدة ومميزة، والأحكام المسبقة والخوف يوقفان التقدم في علم نمو الآخر. ومما لا شك فيه أنّ الانسان المتوحد ليس من خارج البشرية، بل علينا إدخاله في المجتمع لأنه جزء من البشرية المتنوعة، إذ لديه حقوق وعليه واجبات. وإنّ الضعف هو القدرة على قبول العجز والصعوبة، وهو أن أقبل وأوافق أن يراني الآخر كما يريد. إنّ اكتشاف ضعفنا يحدد طريقة عملنا ويوجه مهنيتنا وسهرنا. الضعف هو مكون أساسي لإنسانيتنا، فهو قوتنا وبؤسنا. قوتنا أن نكون إلى جانب بعضنا البعض، أن نعرف حاجة بعضنا، أن نلتزم أخلاقيا بقضايانا وأن نعيش مع بعضنا البعض، وننظر الى بعضنا البعض بإمكانية دائمة، وكأفضل ما يمكن”.