هل يتجه لبنان نحو انفجار شعبي يطيح بالدولة ومن فيها؟
خاص الطائر – علي حدرج*: كما هي العادة، توجهت الحاجة “أم حسين” إلى احد البنوك اللبنانية، لسحب بعض من مدخرات ولدها الذي يقاسي الغربة في سبيل تأمين قوتهم، وقد اعتادت “أم حسين” على سحب مائة دولار كل يوم ثلاثاء، ومن ثم تطورت الأمور حتى باتت تسحب المبلغ نفسه كل ١٥ يوماً.
اليوم، تفاجأت تلك السيدة المسنة أنها لم تعد تستطيع سحب أي شيء من مدخرات ابنها بسبب إقفال البنوك، وان ضاقت عليها الدنيا، فالحل الوحيد أمامها هو الصراف الآلي الذي لم يعد يضخ سوى العملة اللبنانية على ١٥١٥ مقابل الدولار الواحد، وهذا يعني انها خسرت أموالها نصف قيمتها في ظل هبوط العملة الوطنية مقابل الدولار الذي تجاوز عتبة الثلاثة آلاف ليرة.
بدأت القضية في ليلة الـ١٧ من تشرين، يوم انتفاضة الشعب على حكامه بسبب قرارتهم المتخذة التي تطال الفقراء، فلجأت المصارف إلى الإقفال لمدة تجاوزت الـ٢٠ يوماً بسبب الظروف الراهنة في البلاد، لكن المصارف ما بعد ١٧ تشرين لم تعد كما قبله، فقد سطت على أموال صغار المودعين الذين يشكلون نسبة ٩٦% من اجمالي المودعين والتي تبلغ قيمة أموالهم ربع القيمة الإجمالية للودائع لصالح الـ ٤% الذين يمتلكون الحصة الأكبر من الودائع بحدود الـ ١١٢ مليار دولار، وساهمت بتهريب حوالي الـ٩ مليارات دولار للخارج لصالح هؤلاء الـ٤% الذين هم غالبا من السياسيين والنافذين وأصحاب وشركاء في المصارف، كل ذلك بغطاء من الحاكم رياض سلامة، و قد سبب هذا المبلغ شحاً كبيرا في السيولة التي يحتاجها صغار المودعين .
وبعد نجاح الثورة في الإطاحة بالحكومة، لم تتخذ الحكومة الجديدة أي إجراء تجاه المصارف ووقاحتها، وفي ظل وجود حاكم للمصرف المركزي كرياض سلامة، لا بد لها أن تقدم الطاعة والإحترام لقراراته وهندساته المالية، فهي شئنا أم أبينا من رحم هذه السلطة ومن انتاجها، وكما يقال “سلامة كامشهم من الإيد لبتوجعهم”، فأموال مَن في السلطة وحساباتهم ومصيرهم في يده، منهم من يملك مصرفا ومنهم من يملك أسهما وآخرين يملكون حسابات ضخمة تدخل في اطار الإثراء الغير مشروع، كل ذلك جعل مَن في السلطة صامتا صمت أهل القبور ضاربين بعرض الحائط معاناة شعبهم الذي يرى جنى العمر يزول شيئا فشيئا.
إن ما فعلته المصارف باللبنانيين لم يفعله أي مصرف حول العالم، و بدلا من وجود محاسبة من قبل المصرف المركزي، الحكومة ومجلس النواب، كانوا عونا لهم في سطوهم على ودائع الناس، بل إن حاكم المصرف المركزي يستمر في تعديه على أموال الناس بقراراته آخرها السطو على التحويلات بالعملات الأجنبية. الغريب في الأمر أننا في بلد إقتصاده حر مستورد غير منتج، وحبس الدولار عن السوق سيولد إنهيارا إقتصاديا وماليا وسيكون السبب في انفجار شعبي يطيح بالدولة ومن فيها على مبدأ “عليي وعلى أعدائي”.
*علي حدرج اعلامي وناشط مدني