الطائر – لبنان:
كتبت راجانا حمية في جريدة الأخبار:
جشع المصارف لا حدود له. وهي لا تألو جهداً في الاستيلاء على أموال المواطنين كلما لاحت لها «فرصة».
قبل أشهرٍ، بدأت المصارف، بحماية جمعيتها، التحكم بكمية الأموال التي يسحبها المودعون من حساباتهم، حتى وصل التقنين إلى حدّ تحديد المصاريف اليومية لهؤلاء والتحكم بنمط حياتهم. وأتبعت ذلك باحتجاز أموال المغتربين والطلاب الذين يدرسون في الجامعات في الخارج. اليوم، وصلت وقاحة المصارف الى التعدي على مؤسسات الدولة والتحكم بأموال المؤسسات العامة، ولا سيما أموال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
فقد كثرت أخيراً شكاوى المستفيدين من تقديمات الصندوق، وخصوصاً المتقاعدين والمصروفين من أعمالهم، من امتناع المصارف عن صرف مستحقاتهم وتعويضاتهم، أو ــــ في أحسن الأحوال ــــ التأخر في صرفها، أو «مساومتهم» عليها. وما يحصل لم يعد محصوراً في إطار شكاوى محدودة، «بل نهج خرجت معه الأمور عن السيطرة»، على ما تقول مصادر في الضمان. يشير أحد هؤلاء إلى أنه عندما ذهب لصرف الشيك المصرفي «طلب مني المصرف أن أجمّد الأموال لثلاث سنوات مقابل الحصول على بعض الفوائد، ولما رفضت لحاجتي إلى المال امتنعوا عن صرفه». موظف آخر لم يستطع تقاضي أمواله المصروفة له من الضمان الاجتماعي، دفعة واحدة، إذ عمل المصرف على صرفها بـ«التقسيط … المملّ»، فيما يشكو موظف متقاعد من تقسيط تعويض نهاية خدمته البالغ 270 مليون ليرة «عشرة ملايين شهرياً، من ضمنها راتب التقاعد والفوائد». فيما لا خيارات أمام هؤلاء إلا الامتناع عن الصرف أو التقسيط. أما الحصول على كامل الأموال فـ«ترف» لا تعترف به المصارف.
والأزمة، هنا، لم تعد في الاستيلاء على أموال الناس، وهو نهج تسير عليه المصارف منذ أكثر من عام، بل في التعدي على حسابات الدولة، فكيف يمكن لمصرفٍ أن يحتجز أموال الضمان في وقت يصرف فيه الناس من أعمالهم وهم بأمسّ الحاجة إلى تلك التقديمات؟
إدارة الصندوق وجّهت كتاباً إلى جمعية المصارف طالبتها فيه بالالتزام بأحكام القوانين، ولا سيما القانون 210 النافذ منذ الثلاثين من كانون الأول الماضي، والذي ينص على «إلزام المصارف العاملة في لبنان كافة التسديد الفوري للتقديمات التي يقدمها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من حساباته المفتوحة لديها، للمضمونين وأصحاب العلاقة المستفيدين من دون أي تأخير». تأتي هذه الرسالة قبل التحذير من «الخطوات المقبلة»، التي حدد الصندوق بدايتها برفع الدعاوى أمام المحاكم الجزائية. أما بالنسبة إلى العقوبات أمام تلك المحاكم، فقد أشار إلى أن الأحكام التي قد تصدر، تقضي «بالسجن من 3 إلى 7 سنوات مع الأشغال الشاقة، ودفع غرامة مالية إضافية لا تقل عن المبلغ المطلوب سداده ولا تزيد عن ثلاثة أضعاف أمثاله».
وفي هذا السياق، أعاد المدير العام للصندوق، محمد كركي، تذكير المعنيين بقانون حماية أموال الضمان وتقديمات المضمونين الذي أقرّ العام الماضي في المجلس النيابي والذي أعطى «حصانة» لأموال الصندوق. وهذا يعني «أولوية سداد المستحقات فور طلبها من إدارة الضمان وحماية الأموال من أي عملية اقتطاع، إضافة إلى الإيفاء الفوري لتقديمات المضمونين، سواء كانت شيكات الضمان الصحي أو تعويضات نهاية الخدمة والتعويضات العائلية، فور طلبها من قبلهم».