عيادة قانونية في جامعة الروح القدس حول المجلس الدستوري
الطائر – لبنان:
في سابقة من نوعها في لبنان، نظّمت كليّة الحقوق في جامعة الروح القدس الكسليك، وعلى مدى أربعة أشهر، “عيادة قانونيّة”، هيّأ فيها طلاب السنة الرابعة، مشروعًا راميًا إلى تعديل مواد قانون المجلس الدستوري رقم 250 تاريخ 14/7/1993. تمّت هذه المبادرة بمناسبة ذكرى مرور عشرين سنة على تأسيس المجلس الدستوري اللبناني. وفي مشهد فريد وأخّاذ، عرض ستة من الطلاب مشروع القانون المعدّ وناقشوه مع ممثلّين عن جميع الكتل النيابيّة الّذين ابدوا آراءهم حول المشروع وحول رؤيتهم للمجلس الدستوريّ. كما أبدى الرأيَ كلٌّ من الرئيس عصام سليمان، رئيس المجلس الدستوري، ومعالي الدكتور خالد قباني ومعالي الدكتور سليم جريصاتي، كخبراء في الشأن الدستوري، وذلك خلال لقاء دام ساعتين في قاعة البابا يوحنا بولس الثاني في حرم الجامعة.
أما ممثلو الكتل النيابية المشاركون فهم: الأستاذة لما حريز عن حزب التقدمي الاشتراكي، الأستاذ سليمان فرنجية عن تيار المردة، النواب: ياسين جابر عن كتلة التنمية والتحرير، إيلي ماروني عن حزب الكتائب اللبنانية، ابراهيم كنعان عن تكتل التغيير والإصلاح، نوار الساحلي عن كتلة الوفاء للمقاومة، إيلي كيروز عن حزب القوات اللبنانية، هادي حبيش عن كتلة المستقبل. كما شارك في الطاولة التي ترأسها سليمان، وأدارتها الدكتورة غادة كرم من الكلية، الوزيران السابقان سليم جريصاتي والقاضي خالد قباني، وهما عضوان سابقان في المجلس الدستوري.
كما حضرها الأب المدبر في الرهبانية اللبنانية المارونية نعمة الله هاشم، ممثلاً الرئيس العام للرهبانية الأباتي طنوس نعمة، رئيس الجامعة الأب هادي محفوظ، الوزيران السابقان مروان شربل ومنى عفيش، والعقيد روجيه صوما، ممثلًا المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، والعميد جوزيف كلاس، ممثلاً قائد الدرك العميد الياس سعادة، والعميد الركن شامل روكز، وعميد كلية الحقوق الأب طلال هاشم… وحشد من الشخصيات العسكرية والأمنية والحزبية والقضائية والبلدية والاختيارية وأعضاء مجلس الجامعة والأساتذة والطلاب.
الأب محفوظ
النشيد الوطني بداية، ثم كانت كلمة لرئيس الجامعة الأب الدكتور هادي محفوظ اعتبر فيها أن هذا اللقاء هو نتاج عمل دؤوب في كليّة الحقوق، إدارةً، وأساتذةً، وطلابًا، بغية رسم خطّة إيجابيّة تختصّ بالمجلس الدستوريّ. وقد أرادت الكليّة أن تشرك أشخاصًا يعنون بالشأن العام، ممثّلين عن الكتل النيابيّة، ليكون الحوار فريدًا ومثمرًا. من خلالهم، تودّ جامعتنا ان تشكر كلّ من يُعنى بالشأن العام في وطننا ويحرص، في الوقت عينه، على زرع الخير وعلى انماء المجتمع والانسان”. كما هنّأ كليّة الحقوق بإدارة عميدها النشيط الأب طلال هاشم وفريق عمله الدينامي حيث “الروح الخلاّقة أثمرت تعاوناً مع جامعة Indiana الأميريكيّة، لصياغة ماستر مشترك في LLM، في القانون الدولي، وهذه سابقة، فريدة حتى الآن، في لبنان”. وفي الختام، توجّه إلى الطلاّب فاعتبرهم “عنوان فخر الجامعة. وإنّ ما أعدّوه دليل واضح على الروح الخلاّقة والإيجابيّة ودعوة إلى أن تحفّز مناهج التعليم وطرقها، في كلّ مراحل التنشئة، منذ الطفولة، الروح الخلاقة عند الطالب”.
الأب هاشم
ثم ألقى عميد كليّة الحقوق الأب طلال هاشم كلمة قال فيها “قد لا يختلف إثنان على أنّ المقياس الأهم لإرتقاء الدولة إلى مصاف دولة القانون يكمن في وجود قضاء دستوري فاعل فيها، تخضع لأحكامه الحياة السياسية كي يقوم بدوره في تنظيم العلاقة بين السلطات العامة. وكانت الفكرة بجعل الذكرى العشرين لإنشاء المجلس محطة للتفكير معاً في السبل الأفضل لتطوير عمل هذه المؤسسة. فأنشأنا العيادة القانونية التي من خلالها تمكّن الطلاّب، بعد جهد دام أربعة أشهر، من وضع ما يُصلح أن يكون مسودة إقتراح تعديل قانون المجلس الدستوري. العيادة القانونية التي عرفتها أولاً الأنظمة القانونية الأنغلوسكسونية. وهي اليوم تنتشر إنتشار البرق في الدول الغربية حتى أقاصي الأرض كاليابان والصين”. ثمّ أكّد أنّ جامعة الروح القدس “هي الرائدة دائماً في تلقي ما هو حديث ومواكبته. والحداثة التي تنشدها وتعمل من أجلها، هدفها نشر ثقافة الديمقراطية وتعزيز ممارستها وخلق مساحة أكبر من الحوار وحرية التعبير والتلاقي والتقارب. والهدف الثاني للعيادة هو إيجاد مساحة تلاقٍ بين أفراد المجتمع الجامعي ورجال القانون والخبراء وهي أيضاً تدفع الطالب إلى إعماء ما تعلّمه واكتسبه من دروس نظرية في بُعدها التطبيقي والعملي والواقعي. فيغدو القانون عبر هذه العيادة، أداة طائعة مطواعة بين يديه يفيد به الطلاب الآخرين خادماً بذلك كل مشتاق إلى عدالةٍ يطوق إليها وواجداً حلولاً لكل مشكلة يطلب حلّها. وهي بذلك تؤهل الطالب تأهيلاً ديّناً للإنخراط في المجتمع وفهم أواصره وتجاذباته ومخالطة مشاكله وهواجسه”.
سليمان
ثمّ تحدّث رئيس المجلس الدستوري الدكتور عصام سليمان الذي نوّه بهذه المبادرة من كلية الحقوق واعتبر أنّ “المقصود بإصلاح المجلس الدستوري هو توسيع صلاحياته وتحصين استقلاليته من خلال إعادة النظر بالمادة 19 من الدستور وبقانون إنشائه وبنظامه الداخلي، بغية تفعيل دوره في النظام الديمقراطي البرلماني المعمول به في لبنان، إذا ما توفرت الإدارة السياسية”. وأكّد أنّ “توظيف المعرفة الأكاديمية والمنهجية العلمية في معالجة قضايا المجتمع والدولة أمر مرغوب فيه، خاصة أننا نعيش في مرحلة ضاعت فيها المعايير وكثر التنظير الذي لا يرتكز على أسس علمية”.
ولفت إلى أنّ “البحث في قضية المجلس الدستوري يتطلب العودة إلى طبيعة القضاء الدستوري، فطبيعته تختلف عن طبيعتي القضاءين العدلي والإداري، فهو لا يصدر أحكاماً في قضايا خاصة وخصومة بين أفرقاء، إنّما يصدر قرارات في دستوريّة القوانين وفي صحة الإنتخابات، ورقابته على دستورية القوانين تمتد إلى تفسير نصوص الدستور واستنباط قواعد ومبادئ ينبغي أن يتقيد بها المشترع، لذلك يشكّل عمل القضاء الدستوري جزءًا لا يتجزأ من عملية التشريع، ويشكّل كل من المحاكم والمجالس الدستورية مؤسسة دستورية أساسية، في النظام الدستوري، إلى جانب المؤسستين الإشتراعية والإجرائية”.
وأضاف: “أمّا في البت في صحة الانتخابات الرئاسية والنيابية، فتقوم المحاكم والمجالس الدستورية في الفصل، ليس في نزاع بين من فاز ومن رسب، إنّما في صحة الانتخابات، كونها الوسيلة الوحيدة التي تـنبثق السلطة بواسطتها من الشعب، وبالتالي البت في شرعية من يتولى السلطة. لذلك تشكّل المحاكم والمجالس الدستورية مؤسسات دستورية ذات صفة قضائية، مستقلة تماماً عن جميع السلطات في الدولة، بما فيها السلطة القضائية نفسها. فالقضاء الدستوري هو قضاء سياسي، ينظر في أمور تتعلّق بالسلطة السياسية، ولقراراته مردود سياسي. واتّخاذ هذه القرارات يتطلب معرفة عميقة في القانون الدستوري والأنظمة السياسية وفلسفة وسوسيولوجيا القانون، لأنّ للقانون أبعاداً سياسية واجتماعية واقتصادية، وينبغي أن ينسجم مع المنظومة القانونية التي تقوم عليها الدولة، والأسس التي بني عليها النظام السياسي”.
وأكّد على أنّه “لكي يستطيع المجلس الدستوري القيام بالمهام التي ينبغي أن يقوم بها، يجب أن يتمتّع بالصلاحيات، وبخاصة لجهة وضع يده على القوانين لمراقبة دستوريتها، بما فيها القوانين التي صدرت قبل بدء المجلس الدستوري ممارسة مهامه، وبخاصة أنّ العدالة الدستورية هي أساس العدالة في الأحكام الصادرة عن المحاكم، ولبنان التزم في مقدمة دستوره بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وغدت المقدمة، في قرارات المجلس الدستوري، جزءًا لا يتجزأ من الدستور، فلا يجوز أن يكون في القوانين ما يتعارض مع هذا الإعلان. كما أن ممارسة المجلس الدستوري لمهامه تقتضي تحصين استقلاليته، وإزالة العراقيل التي تعيقه في اتخاذ القرار. إنّ الحاجة لمجلس دستوري فاعل في لبنان تفوق الحاجة إليه في الدول الأخرى، نظراً إلى الإبهام في نصوص الدستور، والخلافات حول تفسيرها، والميل في أحيان كثيرة إلى الخروج في الممارسة السياسية وفي التشريع، على القواعد والمبادئ التي رسمها الدستور”.
وشدّد على أنّ “الدور الذي ينبغي أن يقوم به المجلس الدستوري، لا يجوز تضخيمه، فهو يتكامل مع المؤسسات الدستورية، ويلعب دوراً في ضبط أدائها، ولكن لا يمكن التعويل عليه في المطلق، فعلى صعيد الرقابة على دستورية القوانين تنحصر مهامه بالنظر في مدى تطابق القانون مع الدستور، ولا تصل إلى ما تضمنه من خيارات، تدخل حصراً في اختصاص مجلس النواب، فهناك حد فاصل بين صلاحيات القضاء الدستوري وصلاحيات السلطة الإشتراعية، والاجتهادات كثيرة في هذا المجال”.
أمّا بالنسبة إلى الفصل في صحة الإنتخابات، فقال “إن تحقيق التمثيل الصحيح لا يتوقف على قرارات المجلس الدستوري بقدر ما يتوقف على قانون الإنتخاب، وعلى دور الناخبين في الاختيار والمحاسبة. المجلس الدستوري ينظر في المخالفات ومدى تأثيرها على نتائج الإنتخابات، واتّخاذ القرار بإبطال النيابة أو برد الطعن. وهذا جزء ممّا يتطلبه التمثيل الصحيح وتحقيق الديمقراطية عبر الانتخابات”.
كما أكّد أنّ “المجلس الدستوري يمارس مهامه، في إطار الصلاحيات المعطاة له، في وقت ازدادت فيه الممارسة السياسية تردياً، ودفعت المؤسسات الدستورية نحو مزيد من الانهيار ورئاسة الجمهورية إلى الفراغ، والمجلس الدستوري يكاد يكون المؤسسة الدستورية الوحيدة التي تعمل بانتظام وتقوم بمهامها بشكل طبيعي، على الرغم من النكسة التي مرّ بها في العام الماضي وتجاوزناها سريعاً، وقد صدر عن المجلس الدستوري في العام 2014 سبعة قرارات”.
وفي الختام أمل أن “تسهم هذه المبادرة بفتح الطريق أمام توسيع صلاحيات المجلس الدستوري وتحصين استقلاليته، وأن تتوافر الإرادة السياسية لدى الكتل البرلمانية لإعادة النظر بالمادة 19 في الدستور والقانونين اللذين ينظمان عمل المجلس الدستوري”.
نقاش
ثمّ دار نقاش حول المسودة التي أعدّها الطلاب. وقد أيّد المشاركون في الطاولة بعض التعديلات التي اقترحوها، فيما سجّلوا ملاحظاتهم على المواد الأخرى.
وقد وعد عميد الكليّة الأب هاشم أخذ هذه الملاحظات بالإعتبار على أن تتم دراسة هذه المسودة والعمل على تطويرها لاحقاً.
ثم قدّم الأب محفوظ دروعًا تقديرية إلى المشاركين. وأقيم بعدها عشاء بالمناسبة.