الطائر المغتربالملحق
أخر الأخبار

القنصل وديع فارس: أنا متفائل دائمًا بلبنان وبالجالية اللبنانية التي لا تفوّت فرصة لقضاء العطلة على أراضيه ودعمه بكل ما تيسّر

الطائر – كندا

حاورته جاكلين جابر

فارس هو بعطاءاته، بحكمته، باغترابه الذي علّم به فتعلّم منه أعمق العِبَر وأفقه الدروس، وديع ثائر على الظلم والإستبداد، نجاحه عبرة لكل طامح لحياة كريمة، أما إنسانيته فوسام ماسي استحق لأجلها أعلى درجات التكريم، هو وديع فارس، عميد القناصل الفخريين في كندا المفتون بلبنانه وحتى ما بعد النَفَس الأخير، التقيناه في حوار من القلب، تحدث في خلاله عن الكثير من المواضيع المطروحة ومنها حصوله مؤخرًا على وسام الإستحقاق اللبناني الذي قلّده اياه سفير لبنان فادي زيادة بإسم رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون على عطاءاته لبلاده وأهلها، هذا ما جاء فيه:

– بداية لنتعرف على وديع فارس الإنسان؟

بداية، أود أن أُؤكد أن المناصب، بالنسبة لي، لا يمكنها أن تصنع الإنسان لأنه هو من يصنعها. أنا هو نفسي لم ولن أتغيّر، أتيت إلى كندا ولم أكن قد تجاوزت الثامنة عشرة من العمر بعد. درستُ الهندسة وانخرطتُ في سوق العمل فور تخرّجي من الجامعة إلى أن أسّستُ عملي الخاص الذي سمح لي أن أُؤسِّس لعلاقات طيّبة ووديّة مع أبناء جاليتي لا سيما وأنهم في غالبيتهم من زبائن شركتي. ولما كانت اللغة الإنكليزية صعبة عند الكثير من رجال الأعمال آنذاك، ارتاحوا للتعامل معي كوننا نتكلم لغتنا العربية وتحديدًا اللبنانية، ما يُتيح لهم التعبير أكثر عما يُريدونه.

ويوم تقرّر استحداث مكتب للقنصلية في هاليفاكس وقع خيار تولّي زمام أمورها عليّ، لكنني وعلى الرغم من محبّتي للخدمة العامة تردّدت كثيرًا، كوني كنت أساعد خالي القنصل في إدارة شؤون قنصليته وأعرف كم هي المسؤولية كبيرة وكم هو الدور حساس جدًا، لكن أمام إصرار وتشجيع أبناء جاليتي، واحترامًا لرغبتهم الملحّة عدتُ ورضختُ للموضوع خصوصًا وأن جواب الحكومة اللبنانية بتعييني جاء ملائمًا لتمنياتهم. فأكملت مسيرة الخدمة ومساعدة الآخرين، أنا المؤمن دائمًا بأن نجاح الإنسان لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان هناك من يؤمن به ويمدّ له يد العون.

– ماذا تعلّم وديع فارس القنصل اليوم من سَلَفِه الخال جورج عرب قنصل الأمس؟

“تعلّمت الكثير، تعلّمت أننا كلبنانيين صعبين جداً وعلى الإنسان أن يتفنّن بتفاصيل خدمته كأن يتفهّم الآخر، يعرف كيف يحل المواضيع بحكمة وبُعد نظر، ويتمتع بسِمَة التواضع قبل أي شيء آخر. نحن اليوم نعيش في مدينة واحدة، نحمل جنسيتنا اللبنانية، فأي نجاح أو فشل يُسجَّل لأفرادها إنما هو نجاح للجالية ككل. لذا، التواضع مهم جدًا، التقدير لجهود الناس مهم، على الصغير أن يخدم الكبير حتى يكبر وما من كبير بين أبناء البلد الواحد”.

في الحقيقة أنا أعتبر نفسي من المحظوظين جداً، إذ تزوجت من إنسانة متواضعة ومعًا اختبرنا فكرة الحياة بكل تفاصيلها الخدمة الإنسانية، المساندة، محبة الآخر، احترام الصغير كما الكبير ما شرّع أبواب النجاح على مصراعيها أمامنا في الإجتماعيات، الأبوة، العمل والقنصلية وهو ما أُعيده أيضًا إلى تربيتنا اللبنانية التي كنت ولما أزل أفتخر بها”.

– تركت لبنان بعمر الـ 18 سنة والدموع في عينيك واليوم عوّضت ذاك الغياب بالكثير من النشاطات. ماذا عن شعور الإغتراب في مقابل شعور التعويض؟

صحيح، تركت أهلي، أحبّتي بلادي ولم أكن قد تجاوزت 18 سنة بعد، وكانت الدموع هي الصديق الذي رافقني ولسنوات طوال، فكنت أبكي الفقر الذي تركته في أحضان أهلي، الحنين لوطن تربّيت وتعلّمت ونشأت على أرضه، القسوة في الإبتعاد القسري لبناء مستقبل عصي عليّ في لبناني، ومع مرور الأيام، وفي ظل التواصل الذي أردناه عنوانًا لمسيرتنا الإغترابية مكلّلاً بكل ألوان المحبة والشعور الوطني والإنساني وبوصولنا إلى مكانة سعينا لتحقيقها، بات همّ تخفيف الصعوبات والمشاكل المادية عن أهلنا الهدف الذي أريده وأسعى الى تحقيقه، وبات واجب شكر الله على اغترابنا صلاة يومية لأننا وحيث نحن نستطيع أن نخدم ونقدّم لأهلنا وبلادنا أكثر بكثير مما لو كنا في أرضنا. يقولون لبنان بجناحيه المقيم والمغترب، وها أنا اليوم المثال الحيّ على هذه المقولة وأمثالي كثر في بلاد الإغتراب.

– النشاطات كثيرة ولك اليد الطولى بتحقيقها لاسيما في بلدتك الديمان. أيًّا من هذه النشاطات هي الأقرب إلى قلبك؟

في الحقيقة لقد أصبحت مرجعية بالنسبة لبلدتي الديمان وأهلها، فأنا على اطّلاع واسع بمشاكلها وحاجياتها ومتطلباتها التي لم ولن أتأخر عن تقديم أفضل الحلول لها. أما أهم إنجاز حقّقته فيها، فهو بناء كنيسة مار يوحنا مارون التي تضافرت لأجلها جهود الإغتراب الكندي والاسترالي كما المقيم في أرض الوطن، اثر الحملة التي أطلقتُها لأجلها. أما أهم الإنجازات التي أعتزّ بها كقنصل فخري، فهي هذه الجالية الرائعة التي اجتمعنا معها على الوحدة، المحبة، الإنماء الوطني والغيرة على بعضها البعض كما على أبناء وطنها الأم. الجالية اللبنانية في هاليفاكس توحّدت من أجل نجاحنا ككل، فنحن اليوم نعيش في بلد لازلنا نُعتبر فيه في بعض الأحيان غرباء، لذا كان من الضروري أن نعمل ونبرهن للجميع أننا أبناء هذه المنطقة وهو بالفعل ما قمنا به من خلال فرض وجودنا اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا من جهة، وبوصول ممثلين عنا إلى البرلمان الكندي ومجلس الوزراء من جهة ثانية، هذا بالإضافة إلى تولي العديد من اللبنانيين مناصب رفيعة ساهمت بجعل جاليتنا مثالًا يُحتذى به. وهنا يستحضرني ما قلته لرفاقنا من غير اللبنانيين يوم استلامي وسام التقدير، أنه وعلى الرغم من كل الصعوبات التي تمرّ بها بلادنا، فإذا ما فكرتم يومًا ما بلبنان الذي تحلمون به فكروا في جاليتنا هنا، فهي فخر وقوة، انها وبكل اعتزاز “لبنان الصغير”.

– يعتبرك جميع القناصل الفخريين عميدًا لهم، ما هو سرّك أيها القنصل الفارس؟

يضحك ويقول، ربما لأنني الأقدم!

من المؤكد أن صداقة تربطني بقناصل اليوم حتى من قبل استلامهم مهامهم الدبلوماسية، فهم يطلقون عليّ العميد ربما لأنني سبقتهم بفترة من الزمن، وربما لأنهم يعرفوني ويعرفون ما أقوم به، فهم ينظرون اليّ كمَثَل أعلى لهم أو كمرشد، ويتمنّون، وبكل تواضع أقولها، الوصول لما وصل إليه وديع فارس ليس لأنه ناجح على الصعيد الشخصي فقط إنما على صعيد الجالية اللبنانية ككل، وهذا هو الأهم بالنسبة لي، لأنه نجاح للبنان ككل.

يُقال ما من امرئ ناجح كُرِّم في منطقته، أما نحن فكسرنا هذه القاعدة يوم كرّمني غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي منذ ثلاث سنوات في أثناء زيارة كان يقوم بها الى كندا، بمنحي وسام مار مارون، وهذا شرف كبير لي، وقد قال في كلمته يومها “لم أرَ في حياتي قط رجلًا يعمل في الحقل العام ومحبوبًا بهذا القدر الكبير إلّا القنصل وديع فارس الذي يجمع على محبته كل أبناء جاليته كبيرهم كمثل الصغير فيهم”.

– هل تعتبر نفسك محظوظًا في هذه الحياة؟

بكل صراحة، نعم أنا محظوظ جدًا خصوصًا بما وصلت إلى ما أنا عليه في عملي وفي القنصلية، وفي علاقاتي المتينة مع الحكومات المحلية والفدرالية، والتي أثمرت مساعدة مالية كبيرة للبنان بُعَيد انفجار المرفأ الآثم، فالمطلوب من القناصل والسفراء مساعدة بلادهم الأم من خلال نسج مثل هذه العلاقات لتفتخر بهم بلادهم وأهلها، وأنا وعلى الرغم من كل الصعوبات التي تعانيها بلادي ورغم كل الكلام السيء عن المسؤولين والفاسدين، لا يجرؤ أي كان أن يتناول لبنان بالسوء أمامي.

أنا محظوظ بعائلتي وخاصة زوجتي التي وفّرت لي كل وسائل الراحة في المنزل وقدّمت لي كل أنواع الدعم والمساندة، كما وأود أن أشكر أبنائي الذين تربّوا ومنذ صغرهم بمجتمع أدركوا أنه لا يمكنهم فيه تجاوز الخطوط المسموح بها، وهذا ما أعتبره  أيضًا مسؤولية، هذه المسوؤلية التي ساهمت بترابطها وقدسيّتها أن تسهّل عليّ التفرّغ لعملي والنجاح به.

– منذ العام 1995 وانتم تتولّون مهام القنصلية في هاليفاكس، كيف تستطيع اليوم أن تتواصل مع جاليات المناطق المجاورة؟

بكل صراحة، يد واحدة لا يمكنها التصفيق، فأنا لا يمكنني القيام بهذا العمل كله وحدي، فإدارة مكتبي تعود لسيدة راقية جدًا، عايدة هاشم مراد، هي القنصل الفعلي، فعايدة ذكية جدًا وقد استطاعت بحكمتها أن تشكّل فريق عمل مهم يعمل بأمانة واتحاد، وأنا فعلًا فخور بهم ومحظوظ بمحبّتهم وتفانيهم، فهم أحد أعمدة نجاحي.

تصوّري في فترة الإنتخابات، كانت عايدة تتولى مهمة الإشراف على  قلم  فريدريكتون في مقاطعة نيو برنزويك التي تبعد عنّا أربع ساعات فيما بقيت أنا في هاليفاكس، ما يعني أن هناك فعلًا من يمكنني الوثوق به والإعتماد عليه.

من هنا لا بدّ لي من أن أوجّه التحيّة لكل المتطوعين وأن أشكر السيدة عايدة على جهودها في إدارة وحسن سير العمل.

– من المعلوم أن مساهماتك في ترميم مشروع Diaspora أو المركز السياحي الإغترابي في البترون كانت مهمة جدًا، ما الدور الذي تتوقّعونه له في المستقبل؟ 

برأيي، نعم إن هذا المشروع مهم جدًا وأنا قمت بحملة تمويل واسعة له Fundraising وجمعنا المبلغ المطلوب من أجل أن يكون لكندا وجود ضمن هذه القرية الإغترابية العالمية في البترون. فالبيت الكندي هو عربون وفاء وردّ الجميل لكندا، هذا البلد المضياف الذي احتضننا ولما يزل وقد آثرنا أن نعرّف أهلنا في لبنان على كندا وتراثها وحضارتها وثقافتها كما تعرّفنا عليها نحن.  وحاليًا نحن بصدد درس المحتويات التي يجب أن يتضمّنها البيت الكندي الذي نعتبره رمزًا للتواصل بين البلدين وقد كان من الضروري أن يكون لكندا بيت ضمن هذه القرية الإغترابية Diaspora Village التي باتت تحتوي أيضًا على مطاعم وفندق صغير لمن يرغب بقضاء بعض الوقت في هذه المنطقة السياحية الجميلة.

– كنتم من الشخصيات التي كرّمت ضحايا التايتانيك في كندا كما زرعتم أرزة لبنان، هلّا أخبرتنا عن هذا المشروع بإيجاز؟

كما هو معلوم، فقد كان من بين ضحايا باخرة التايتانيك عدد من اللبنانيين الذين دفنوا هنا في هاليفاكس، ولما كان القنصل الدكتور نيك قهوجي من المهتمين بهذا الأمر قرّرنا تكريمهم بزرع أرزة لبنانية كان يملكها القنصل قهوجي، ولما صودف وجود البطريرك الراعي يومها للاحتفال برفع الستار عن تمثال المغترب اللبناني تمّ الإتفاق على أن يكون الإحتفال بالحدثين معًا، وبالفعل فقد كانت إحتفالية لبنانية إغترابية متكاملة. وفي خلال إلقاء الكلمات لاحظت أن الأرزة مزروعة في أعلى نقطة في المقابر، كما هي حال غابة الأرز في لبنان الموجودة في أعلى نقطة في القرنة السوداء، وهو ما اعتدناه دوما على شموخ وعزّة أرزنا الغالي، وفي هذه المناسبة، من الجدير ذكره، أن هاليفاكس تتميز اليوم بمعالمها السياحية كمثل تمثال المغترب والأرزة اللبنانية والكنائس الجديدة وهي ترحب بزيارة كل محبّيها.

– هل من طموح لدى القنصل فارس بتولّي أي منصب وزاري في لبنان؟

يضحك ويقول كلا ثم كلا ثم كلا، رافضًا التعليق.

– في شهر أيّار المنصرم تمّ تقليدك وسام الإستحقاق اللبناني تقديرًا لخدماتك الجاليوية؟ أي وسام الأقرب إلى قلبك بين كل الأوسمة والتكريمات التي حصلت عليها؟

من يعمل بهدف الحصول على أوسمة لن ينجح ولن يصل، الحمد لله أنه منّ علينا بنعمة الخدمة وأتاح أمامنا كل الوسائل المطلوبة لتحقيقها، فكل وسام وكل تكريم هو موضع اعتزاز بالنسبة لي، لكن هناك بعض الأوسمة التي تُعتبر في حكم الفريدة والمميّزة كمثل وسام الكنيسة المارونية أو وسام مار مارون الذي لا يُمنح إلا لقلّة قليلة جدًا من الناس، وهنا لا بدّ لي من أن أشكر غبطة البطريرك الراعي على هذه اللفتة وهذا التكريم، وسيبقى وسام مار مارون على صدري مدى الحياة، ووسام Order of Canada الذي يُعتبر أعلى وسام في كندا، و يبقى الأهم بالنسبة لي الوسام اللبناني “وسام الاستحقاق اللبناني” خاصة وأننا اعتدنا أن التكريمات في لبنان هي لمن رحلوا عن هذه الدنيا، لكن وبحمد الله تمّ تكريمنا ونحن على قيد الحياة.

وتنهد بحسرة…..

انا لا أنتظر التكريمات ولا الأوسمة، فمحبتي للبنان تفوق كل شيء وقد سبق وحاربت كندا وقانونها يوم قررت إلغاء قانون Multiple Citizenship وإعطاء Single Citizenship فقط، ويومها، ولأجل أرزتي الغالية رفعت سقف حديثي بالقول أنه “يمكنكم أن تأخذوا مني الباسبور اللبناني لكن الأرزة مزروعة في قلبي ولا يمكنكم نزعها وسلبها”، وبالمناسبة أود وعبر وسيلتك الإعلامية أن أوجّه تحيّة خاصة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي خصّني بهذا الوسام وإلى سفيرنا فادي زيادة الموجود ودون شك على الأرض وينقل إنجازاتنا إلى أرض الوطن هذه الإنجازات التي كانت وستبقى عربون وفاء لبلادنا الأم.

– هل من كلمة تخصّ بها لبنان؟

“لبنان رح يرجع، لبنان لا يموت” فهو كمثل شجرة الأرز الشامخة التي وإن انحنت فللتواضع لا لملامسة الأرض، انه كمثل طائر الفينيق الذي ينبعث مجددًا ويحلّق عاليًا، يمكننا القول أن لبنان مريض بمرض يصعب شفاؤه لكنّي كلّي أمل بانتفاضة تعيد إليه الحياة، أنا متفائل دائمًا بلبنان وبالجالية اللبنانية التي لا تفوّت فرصة لقضاء العطلة على أراضيه ودعمه بكل ما تيسّر، وعلينا دائمًا أن نرى نصف الكوب الممتلئ لا العكس. فبلادنا ستعود إليها الحياة إن لم يكن في أيامنا نحن فمن المؤكد في أيام أبنائنا.

– ماذا يعني لك:

لبنان: المحبة

كندا: شكرًا

جاليتك في هاليفاكس: أهلي

أهلي في لبنان: أحبائي

المصدر: موقع الكمة نيوز – كندا 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى