الطائر – وكالات
فاقت تطبيقات الذكاء الاصطناعي حدود توقعاتنا لشدة إتقانها للمهام بأسرع وقت مثل زيادة دقة الصور، وكشف التلاعب بها، وتوقّع الكلمات التي نود البحث عنها، والتدقيق الإملائي واللغوي، والترجمة الصحفية، وليس هذا فحسب بل باتت تساعد الصحفيين في توليد القصص بشكل آلي في الموضوعات المعتمدة على البيانات والأرقام، وتجيب عن تساؤلاتهم، وتكتب المقالات والموضوعات حسب الطلب؛ وهو ما قدّمه “روبوت الدردشة الآلية “GPT” لتنوع الخدمات التي يقدمها لجمهور المستخدمين بشكل عام؛ مما دفع عددًا كبيرًا من المستخدمين لتجربته عبر البحث عن روابط تنزيل التطبيق ومشاركة حواراتهم الصحفية التي أجروها معه على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي؛ وهو ما أثار مخاوف عدد لا بأس به من الصحفيين بشأن جدوى توظيفه داخل غرف الأخبار، ومزاياه وسلبياته في العمل الصحفي.
لقد تمّ إنشاء روبوت الدردشة ChatGpt باستخدام تقنية GPT-3، من قبل شركة OpenAI، المتخصصة في أبحاث الذكاء الاصطناعي، وجرى تدريبه باستخدام مجموعة متنوعة من تقنيات التعلم الآلي، جعلته قادرًا على فهم لغة البشر وخلق ردود فعل شبيهة بالإنسان، كما يقدّم الروبوت إجابات عن أسئلتنا، ولكن يتعيّن على الصحفيين تدقيق المعلومات التي يحصلون عليها قبل نشرها في أي وسيط إعلامي.
حوارات ومقالات صحفية مدفوعة بالخوارزميات
اندفع عدد كبير من الصحفيين إلى تجربة “ChatGpt” من خلال إعداد مقالات وإجراء حوارات صحفية من خلال هذه التقنية، كما يلي:
- أول حوار صحفي مع روبوت ChatGPT لـ”المصري اليوم“. يجيب عمّا يدور بأذهاننا جميعًا، ويمكن مطالعته من خلال النقر هنا.
- مقال منشور في الموقع الإلكتروني لـ”الجارديان” في 8 سبتمبر/أيلول 2020 مكتوب بتقنية “GPT”، عنوانه “روبوت يكتب هذا المقال، فهل مازالت تشعر بالخوف من استخدام هذه التقنية”؟ ويمكن مطالعته من خلال الضغط هنا.
في مقابلة مع “شبكة الصحفيين الدوليين”، أوضح د.غسان مراد، وهو أستاذ باحث في اللسانيات الحاسوبية والإعلام الرقمي في الجامعة اللبنانية، عن كيفية عمل روبوت الدردشة “ChatGpt”، وإن كان سيحلّ محل البشر ومحركات البحث أم لا.
روبوت الدردشة نظام لإدارة المعرفة
يقول د.غسان مراد إنّ “ChatGpt هو نظام لإدارة المعرفة من خلال استخدام مجموعة من القواعد والخوارزميات التي تساعد في كيفية إنتاج المعلومات من خلال البحث في بنوك البيانات المُزود بها روبوت الدردشة، وقد تم إنشاؤه باستخدام تقنية GPT-3، وتمّ تحسينه وتطويره حتى أصبح “ChatGpt”، ويستخدم ما يسمى بالشبكات العصبية الالتفافية، وهذا البرنامج قادر على التعلُم للوصول إلى جملة معينة لها معنى، وبالتالي يستطيع أن يجيب عن تساؤلاتنا وكتابة قصص”. وقدّم مراد مثالاً قائلًا: “إذا طلبت منه أن يكتب قصة عن الولد الذاهب إلى المدرسة، فسيفتش عن فعل (ذهب)، ثم يبحث عن أكثر الكلمات الواردة بعدها؛ فيجد (الولد)، ثم يأتي المدخل التالي ليعثر على كلمة (إلى المدرسة) ليقوم بتأليف جملة، والتي تعتبر مدخله لتكوين فقرة وهكذا حتى يصل على مبتغاه في تكوين مجموعة من الفقرات المترابطة والمتعلقة بالقصة التي تود أن يساعدك في كتابتها”.
الذكاء ابتكار، والذكاء الاصطناعي تكرار
وأضاف د.غسان مراد الذي أصدر مؤخرًا كتابًا بعنوان “مرايا التحولات الرقمية والتمثلات الذهنية للذكاء الاصطناعي” أنّ “ChatGpt يمكنه أن يكون مساعدًا للطلاب والأساتذة والباحثين فقط، ولن يحلّ محل الصحفيين؛ لأنّ الآلة لا تملك الذكاء البشري ولكنها تقوم بإدارة الذكاء وبالتالي يجب أن يكون سؤالك محددًا وواضحًا لها، ولكنك قد تحصل على معلومات غير صحيحة وبالتالي يجب عليك التحقق من المعلومات التي تحصل عليها”. وتابع: “أما محركات البحث، فأرى أنّ روبوت الدردشة لن يلغي أو يقلل من اعتمادنا عليها، وبالنسبة للترجمان الآلي المستخدم في ChatGpt؛ فهو حاليًا غير جيد ولكن من الممكن أن تتطور خوارزمياته لتصبح عملية الترجمة أفضل من ذلك”.
ويختتم د.غسان مراد حديثه معنا قائلاً: “سيظل التنقيب عن المعلومات هو أساس عمل الصحفيين، كما يجب عليهم الذهاب إلى مصادر المعرفة مباشرة، وليس إلى مستخلصات المعرفة التي يقدمها روبوت الدردشة”.
توظيف ChatGpt في العمل الصحفي
وحول طرق توظيف ChatGpt في العمل الصحفي، تقول د.رضوى عبد اللطيف، نائب رئيس تحرير صحيفة الأخبار المصرية ومديرة العلاقات الأكاديمية في مصر والخليج بمؤسسة صحافة الذكاء الاصطناعي للبحث والاستشراف في دبي: “استُخدمت تقنيات الذكاء الاصطناعي منذ سنوات في المراحل المختلفة للعمل الصحفي وخاصة في مجالات أتمتة المحتوى، وعمليات النشر والتوزيع والتسويق وغيرها، حتى وصلنا إلى روبوت الدردشة ChatGpt وهو أحدث نتاج لتعلُم الآلة والذي خلق بيئة تفاعلية مع المستخدم، وقدّم لنا إجابات متناسقة ومترابطة مدعومة بالمعلومات الإضافية بمجرد ضغطة زر وذلك في ثوانٍ معدودة؛ فجعل كل مع يتعامل معه يشعر أنه يتحدث مع إنسان”.
وأضافت عبد اللطيف: “هناك الكثير من المزايا التي يقدّمها لنا روبوت الدردشة ChatGpt وهي قدرته على الكتابة الجيدة باللغة العربية، وهي الميّزة التي كنا نفتقدها في الكثير من تقنيات الذكاء الاصطناعي في السنوات الماضية حيث كان تعلُم الآلة بطيئًا فيما يتعلق باللغة العربية لصعوبتها، وكثرة مفرداتها، ولهجاتها، ولكن تغلب روبوت الدردشة على تلك الصعاب، وأصبح قادرًا على جمع المعلومات، وتوليد الأفكار الجديدة، كما أنه قادر على ترجمة النصوص المسموعة أو المكتوبة، ولكن يجب أن يراجع الصحفي النص جيدًا ويقوم بتدقيقه قبل النشر”.
سلبيات روبوت الدردشة في العمل الصحفي
أشارت عبد اللطيف إلى أهمية عدم الاعتماد الكلي على روبوت الدردشة في عملنا الصحفي لأن هذه الأداة أخذت معلوماتها من عدة مستخدمين، فضلاً عن قاعدة البيانات التي وضعها مُصنعها في البداية، وبالتالي فمن المحتمل العثور على معلومات، وسياقات خاطئة، أما المشكلة الثانية فتتعلق باحتمالية إنتاج نسخ متطابقة من الموضوعات وذلك في حالة اعتماد جموع الصحفيين على نفس المعلومات المستمدة من قاعدة بيانات روبوت الدردشة، وهو ما يتعارض بالطبع مع طبيعة مهنة الصحافة القائمة على الإبداع والإبتكار.
ونوّهت أيضًا عبد اللطيف إلى أننا لم نحل حتى الآن معضلة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي والقوانين الحاكمة في هذا العالم الذي يستبيح بيانات كثير من المستخدمين، ولكن ما يُميّز مهنة الصحافة هو وجود قوانين وكيانات منظمة للعمل الصحفي ومدونات سلوك مهنية، وبالرغم من أنّ البعض قد يغفل تطبيقها ولكنها تنظم وجودها وتردع من يخالف قوانينها.
نصائح مهمة لاستخدام روبوتات الدردشة في العمل الصحفي
وتُقدّم لنا عبد اللطيف نصائح مهمة للصحفيين لاستخدام روبوتات الدردشة في العمل الصحفي، وذلك على النحو التالي:
-لا تعتمد كليًا على روبوت الدردشة في إنتاج محتواك الصحفي، بل استعن فقط بالمزايا التي تراها مناسبة في عملك الصحفي.
-ابحث عن زوايا جديدة لقصصك الصحفية، واكتبها بأسلوبك السردي المميز الذي لن تفعله لك أي أداة من أدوات الذكاء الاصطناعي.
-لا تنسَ أن تقنيات الذكاء الاصطناعي لا يُمكنها أن تنتج تحقيقات استقصائية متعمقة، ولن تجري مقابلات متعمقة مع المصادر، ولن يُمكنها أيضًا تقديم تغطيات حية للأحداث.
-تأكدّ من المعلومات التي تحصل عليها من مصادر معلوماتك المختلفة قبل نشرها.
-تعلّم أدوات الذكاء الاصطناعي التي تساعدك في عملك الصحفي مثل: الترجمة، تفريع الملفات الصوتية، وزيادة جودة الصور، وكشف التلاعب بها، وإنتاج المحتوى الواحد بأكثر من شكل ليناسب المنصات الرقمية المختلفة، وجمع وترتيب البيانات وتسويق المحتوى، وتقديم التحليلات والرؤى المستقبلية، واعتمد عليها في معرفة جمهورك.
-يمكن للمؤسسات الإعلامية الاستعانة بتقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي في إنتاج التقارير اليومية التي تتضمن أحوال الطقس ودرجات الحرارة، ومتابعة أسواق المال وكل ما له علاقة بالأرقام ولا يحتاج لكتابة إبداعية.
-أن تقوم المؤسسات الإعلامية العربية باختراع أدوات جديدة للذكاء الاصطناعي باللغة العربية تناسب احتياجاتها واحتياجات الجمهور.
وهناك أمثلة كثيرة لتطبيقات ومنصات روبوتات الدردشة التي يُمكنك بها الاستعانة في عملك الصحفي، وبعضها يحمل خططًا مجانية، وأخرى مدفوعة، مثل:
المصدر: أسماء قنديل ijnet.org