الطائر – لبنان:
احتفلت جامعة الروح القدس – الكسليك باليوم العالمي للمسرح، في مؤتمر نظمته كلية الفنون الجميلة والفنون التطبيقية فيها تحت عنوان: “المسرح هوية واستمرارية”، برعاية وزير الثقافة ريمون عريجي وحضوره، وبمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيس كلية الفنون الجميلة والفنون التطبيقية، في قاعة القديس البابا يوحنا بولس الثاني في الجامعة.
حضر الافتتاح إلى الوزير عريجي، رئيس الجامعة الأب الدكتور هادي محفوظ، ممثل رئيس الهيئة الدولية للمسرح الأستاذ محمد سيف الأفخم الأستاذ فائق حميصي، نقيبة الفنانين المحترفين في لبنان شادية زيتون دوغان، عميد كلية الفنون الجميلة والفنون التطبيقية في الجامعة د. بول زغيب، إضافة إلى أعضاء مجلس الجامعة وحشد من أبرز الممثلين والمخرجين اللبنانيين وشخصيات فنية واجتماعية وتربوية…
جبران
بدايةً كانت كلمة ترحيبية للمسؤولة عن قسم المسرح والفنون الاستعراضية في الكلية الدكتورة لينا سعادة جبران التي أشارت إلى أنّه “قد أقر قانون تعليم المسرح في المدارس الرسمية، وأعدت البرامج المدروسة جدا، غير أنها لم تنفذ لعدم وجود المدرسين في هذا المجال. ولذا، أخذت جامعة الروح القدس على عاتقها، بالتنسيق بين كلييتي الفلسفة والعلوم الإنسانية وكلية الفنون الجميلة والفنون التطبيقية، تدريب مدرسين في المسرح، تمكنهم نيل إجازة تعليمية في مجال الفنون السمعية والبصرية، إختصاص مسرح…” وأضافت أنّ “الكلية إستحدثت محترفا للفنون المشهدية يتيح لمحبي المسرح، من كافة الإختصاصات، من داخل الجامعة وخارجها، تنمية شغفهم، وخوض التجربة المسرحية أمام الجمهور بإلتحاقهم بالمحترف الذي هو مشروع الإنفتاح على الكليات والإختصاصات المتعددة، هدفه تفعيل المسرح كونه يتناغم مع الآداب، والعلوم ومختلف الفنون. وفي الختام، هنأت “مركز فينيكس للدراسات اللبنانية في الجامعة على مبادرته لإعادة إحياء المسرح التراثي اللبناني. فأهدافه ثلاثة: إحصاء وتجميع المسرحيات المكتوبة لعدد كبير من الكتاب المسرحيين اللبنانيين، وإتمام دراسات حول هذه المسرحيات ثم نشرها وتوزيعها…
زغيب
ثم تحدث عميد كلية الفنون الجميلة والفنون التطبيقية د. بول زغيب واصفاً “المسرحيّ بالمصوّر الفوتوغرافي والرسّام. إنَّه اليقظة التي تختبر وتختزن في الذّاكرة القضايا الإجتماعية والسياسية والعقائدية. يحوّل المسرحيّ ما يختبره من فرحٍ أو شقاء إلى رؤية درامية، ويجسّدها بأبجدية لغة نـفسانية وروحية وجسدية ترمّم أوجاع الصّدمات. المسرحيّ شاهدٌ على عصره ويقرأ المستقبل. يواجه النّكبات وسوء السلطة وخيانة مفاهيم العدالة والديموقراطية بالسّخـرية الجارحة…” وأعلن أنّ “كلية الفنون الجميلة والفنون التطبيقية في الجامعة قد افتتحت برنامجـًا أكاديميـًا يــــؤمّن لطلابها الاختصاص بفروع: التأليف، الإخراج، السينوغرافيا، التمثيل، تصميم الملابس، ودمج المواد التي لها صلة في تطوير المشهديّة كالفنون البصرية Video Arts والـ Graphic Art وغيرها من التقنيات” مؤكداً أنّ “هذا الاختصاص سيوفـــر فرص العـمل في المدارس للراغبين بالتركيز على شهادة الإجازة التعليميّة في الفنون السمعيّة البصرية والمسرحيّة : اختصاص مسرح”. وأضاف” أعلن هذا البرنامج تكريمـًا لما يحمل هذا الاحتفال من جوهرٍ إنساني وفنيٍ وفكريٍ يهدف لصالح الإنسان، جوهرٌ يبــشّر به المسرحيون، أنتم”.
دوغان
أما نقيبة الفنانين المحترفين في لبنان شادية زيتون دوغان فعادت بالذاكرة إلى حقبة السبعينات التي شهد فيها المسرح تراجعًا جراء تدهور الأوضاع الأمنية، مؤكدة أنه “ما زال اليوم متعبًا يعاني وتعوقه عراقيل كثيرة، فهو لا يزال همًّا شخصيًّا لمن يحب المسرح وليس همًّا اجتماعيًا ينبغي أن يحظى بالبحث والمتابعة والتطوير من قبل الدولة التي غلب ويغلب على معظم حكوماتها المتعاقبة قرار عدم رصد ميزانية وافرة لوزارة الثقافة التي تمثل الوجه الحضاري للوطن والمعنية بدعم المسرح وتشجيع المبدعين فيه”. وبعدما انتقدت تقصير الحكومات وعدم اهتمام معظم وسائل الإعلام، أكدت “أن هذه المعوقات وغيرها لم تثنِ أصحاب المهارات عن القيام بإنجازات مسرحية ناجحة حملت تواقيع تضحياتهم وإصرارهم على مواصلة التحدي من أجل استمرارية المسرح”، متسائلة: “هل يستمر مسرحنا اللبناني؟” وقالت:” في ظل ما يتعرض إليه عصرنا الثقافي من الاهتزاز، وبعد أن أضحى المنظور الجمالي بغياب الاحترافية المهنية، واعتماد أغلبية التجارب المسرحية على التعريب والاقتباس ومحاكاة التراث، إلى جانب القهر الاقتصادي وعدم الاستقرار في الاوضاع الاجتماعية والسياسية والأمنية، والنزعة الفردية لدى معظم المخرجين، وعدم اعتماد تتابع الورش المسرحية، والقصور في تجهيز دور العرض بالتقنيات اللازمة الحديثة، وعدم تطوير مناهج معاهد الفنون الجميلة… إزاء كل هذه السلبيات أصبح علينا إعادة النظر في المسرح ضمن هذا السياق، آخذين بالاعتبار المطالبة بحقنا الشرعي في الدعم المادي من قبل الجهات الرسمية المعنية، وإيلاء أهميةالعمل في المسرح على الابتكار والتجديد…
حميصي
وتلا الأستاذ فائق حميصي كلمة رئيس الهيئة الدولية للمسرح الأستاذ محمد سيف الأفخم، معتبراً أنّ “تبني صرح جامعي عريق، كجامعة الروح القدس، لتدريس “أبي الفنون” يؤكد أن التطلّع إلى المسرح لم يعد ترفاً كما أراد له وصفاً معترضوه، فقد راهن المسرح منذ البدء على استمراريته من منطلق ارتباطه بهموم جمهوره وقضاياهم وأحلامهم وتطلعاتهم واستثارته للأسئلة التي تزدحم بها رؤوسهم…” وأضاف “بالكلمة وبالتكوين وباكتمال الصورة بكل أبعادها كان المسرح يرسم لنفسه مساراً جمالياً ومداراً ثقافياً وحيزاً فكرياً وسط التناقضات التي شهدها العالم ويشهدها اليوم، والتي يجهد المسرحيون أنفسهم ليقدموها بوحاً جمالياً ومعرفياً ونشيداً أبدياً يتغنّون به ويسعون لأن تردّده جموع المتلقين في العالم أجمع؛ عنوانه الحب والجمال والسلام … وبذلك يؤكد المسرح بوصفه قناة للتواصل ووسيلة للاتصال أنه الشكل الذي تقتضيه الضرورات الإنسانية لديمومة الحياة ببُعدها اللامادي وسط هذا الخضمّ الهائل من التحولات والتبدلات المادية والمعنوية…” وختم بالقول: “إننا بحاجة أكبر من حاجة أسلافنا لمسرح ذو ملامح يحمل خصوصية هويته ويقترح حلولاً تبادلية لأزماته من أجل الاندماج والتعايش وخلق بنية مجتمعية متوازنة تؤمن بمثلى القيم وتنشد السمو والتجلي”.
عريجي
وألقى راعي المؤتمر الوزير عريجي كلمة أشار فيها إلى أن “يوم المسرح العالمي مناسبة فرح ورجاء، وفضاء مفتوح لمسرح وجود الإنسان على امتداد كوكب الأرض والتقاء الشعوب…”
وقال: “أن تحتفل جامعتكم بهذا اليوم، أكثر من معنى ورمز … فلبنان المطوَّق ببؤر الحرائق ومجازر الإبادات وهدم منائر الحضارات، هذا اللبنان ما زال يشكّل مساحة التفاعل الإنساني – الحضاري – الثقافي – الفني، التسامحي في هذه المنطقة. ومشاركتنا اليوم، استمرار لانفتاحنا العريق على ثقافات العالم وحركات الريح الإبداعية والتضامن الإنساني. هذا اليوم أيضًا، مناسبة للإضاءة على واقع المسرح في لبنان ونقدنا الذاتي استكمالًا للمسار التاريخي الذي تعرفون…”
ثم تحدث الوزير عريجي عن تدرّج المسرح في لبنان وتصاعده وتناميه منذ العام 1848 … مؤكدًا أنه “إذا كان التقليد أن توجّه رسالة في هذا اليوم العالمي، يقرأها أهل المسرح والجمهور، ويتشاركون، أملي في لبنان، أن نعيد قراءة تجربتنا المسرحية ونستخلص الدروس لنزيد البنيان ونكمل المسار… صحيح أن الظروف السياسية – الاجتماعية التي سادت لبنان والمنطقة العربية، ستينات القرن الماضي قد تغيّرت كليًّا، لكننا وبالرغم مما حدث وسيحدث، فالمسرح اللبناني مدعو لدور دائم”.
وأضاف: “فإذا كان المسرح امتدادًا للحياة على ما قال الكاتب الفرنسي Antonin Artaud، فإن الخشبة اللبنانية ستبقى فضاء سحريًا للتعبير والحوار والمطارحات والإغواء البصري وفسحة لتشابك الفنون، تعبيرًا عن نضال وقضايا الإنسان في الدراما والملهاة كما صنّف قديمًا أرسطو…” وعدد الوزير عريجي الصعوبات الكثيرة التي تواجه المسرح: “من مستوى إعداد الممثل في الجامعات إلى تناقص الفرق المسرحية الجادّة، إلى أزمة النص المسرحي وإعادة تكوين جمهور مسرحي متفاعل نحن بأمس الحاجة إليه”. كما شدد على “إننا في وزارة الثقافة نعي كل هذه المشكلات ونحاول، ضمن المستطاع المادي والبشري، دعم هذا القطاع الثقافي المهم: نحن بصدد استحداث جائزة مادية سنوية لأفضل عمل مسرحي على غرار ما فعلنا بالنسبة للرواية قبل أسبوعين. كما فعّلنا لجنة الأعمال المسرحية في الوزارة لمساعدة إنتاج الأعمال المسرحية، إضافة إلى دعم بعض المسارح العريقة تخوّفًا من إقفالها والتداعيات”.
اليوم الثاني
وفي اليوم الثاني للمؤتمر، انعقدت جلستان لمناقشة أبرز القضايا المتعلّقة بالمسرح. أدار الجلسة الأولى الإعلامي بيار أبي صعب وشاركت فيها الممثلة رندا الأسمر التي تطرّقت إلى موضوع “هوية المسرح اللبناني اليوم” فيما ألقت الممثلة بيتي توتل صفير محاضرة بعنوان “مسرحٌ يشبهنا”. أمّا المخرج جلال خوري فتحدّث عن “المسرح بين الهوية والعالمية” والممثلة زينة دكاش تناولت موضوع “المسرح لشعوب مهمّشة”.
ثم انعقدت الجلسة الثانية بإدارة أيضاً الإعلامي بيار أبي صعب. وقد بدأت بمحاضرة المخرج ناجي سوراتي بعنوان “المسرح: خطرٌ على الهوية والاستمرارية”. ثم تحدّثت الدكتورة حنان قصّاب حسن عن “المسرح والهوية في تجربة الأخوين رحباني”. وحملت محاضرة الدكتور أنطوان مسرّة عنوان “عندما يعلّمنا الكتاب المسرحيون ما هي هوية لبنان. ثلاثة أمثلة: الرحابنة، جلال خوري ويوسف سعد”، فيما حملت محاضرة الدكتور إيلي لحود عنوان “الهوية المسرحية، بين الخيال والحقيقة”.
واختتم اليومين الأول والثاني بعرض مسرحية “نازحون” (Déplacés)، وهي إبداع جماعي من إخراج ناجي سوراتي وتمثيل طلاب محترف الفنون المشهدية الذي أسسته د. لينا سعادة جبران.