إحياء ذكرى رحيل الشاعر سعيد عقل في جامعة الروح القدس – الكسليك في زحلة والبقاع
الطائر – لبنان:
أحيت جامعة الروح القدس – الكسليك ذكرى رحيل الشاعر الكبير سعيد عقل، في حفل دعا إليه مدير الجامعة في زحلة والبقاع الأب الدكتور ميشال أبوطقة، برعاية وحضور الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية الأباتي طنوس نعمه، في حرم الجامعة في زحلة والبقاع.
كما حضر الحفل الأسقفان يوستينوس بولس سفر وجورج اسكندر، النواب: طوني أبوخاطر، إيلي ماروني، عاصم عراجي وشانت جنجنيان، أعضاء مجلس المدبرين في الرهبانية المارونية، النائب السابق سليم عون، الوزير السابق خليل الهراوي، رئيسة الكتلة الشعبية السيدة مريم السكاف، رئيس بلدية زحلة- المعلقة وتعنايل المهندس أسعد زغيب، رئيس بلدية تربل المهندس فادي خوري، السفير ايلي الترك، قائد منطقة البقاع الإقليمية في قوى الأمن الداخلي العميد نعيم الشماس، المدير الاقليمي للأمن العام في البقاع العميد جوزف تومية، المدير الإقليمي لأمن الدولة في البقاع العميد فادي حداد، ومدير عام وزارة الزراعة المهندس لويس لحود، إضافة إلى جمع من الرؤساء العامين والرئيسات العامات للرهبانيات، ورؤساء ورئيسات المؤسسات التربوية وحشد من المقامات الاختيارية، الاقتصادية، المصرفية، الفنية، الجامعية، الاجتماعية والإعلامية وعائلة المحتفى به الشاعر سعيد عقل.
زلاقط
استهل الحفل بالنشيد الوطني اللبناني، ثم كانت كلمة ترحيبية للدكتورة نادين زلاقط التي لفتت إلى أننا “نجتمع اليوم لنستذكر سعيد عقل، عقل لبنان، قامة شامخة كالأرز، متجذرة في عمق تاريخه”.
الأب أبوطقة
وبعد عرض شريط مصوّر تحت عنوان: “أنواع الحب في فكر الشاعر وقلبه”، ألقى كلمة الجامعة الأب الدكتور ميشال أبوطقة الذي قال: “سنة ونيّف على رحيل الكبير الذي رطّب شفتيه بماء، هو من كأس السّحر كما في ينابيع صنّين، يشقّ الصخر، ويختال هادرًا بين ضفّتي الوادي، يخاطب العين التي تحنو على تلّة زحله، ترمقها غنجًا، وحبًّا، وفكرًا، وشهامةً، وفخرًا؛ سنة ونيّف، ونحن لا نفتأ نعيش حلم قرن من عطاء ما بعده عطاء. يا كبير الكبار ابن مدينتي، الحيّ أبدًا، سلام عليك، وربّ السلام يميّزك في جوق الواصلين، بعدما وصلت الحرف بالحكمة، والتجربة والإبداع، وضمّخته بالحبّ والمحبّة اللّذين جنّ بهما يراع وشراع، وسرّ الوصل إيمان مارونيّ، سريانيّ، كاثوليكيّ، أورثوذكسيّ، لا يشرى ولا يباع، إيمان ما توانيت لحظةً في الجهار به حتى الرّمق الأخير”.
وأضاف: “نلتفّ، اليوم، حولك ومعك ولأجلك، ولأجل ما جمعت وصلّيت وعلّمت: لأجل لبنان، لأجل “أمويّة لبنانيّة” لا نجد الطريق إلى صدرها الحنون إلّا وجارة الوادي تردّد صوت المعلّم يقول: “أشبه ما يشبه الأمويّة اللبنانيّة انسان اجتمع فيه الحبّ إلى المحبّة. الحبّ أن تخصّ قلبك بواحد، فإن أضفت إليه آخر خنت الحبّ. والمحبّة أن تمنح نفسك للبشريّة جمعاء، من سبق أن وجدوا، ومن هم في الوجود، ومن سوف يوجدون، فإن أسقطت منهم أحدًا خنت المحبّة”.
وتساءل: “فكيف تريدون أن تمر المناسبات ولا يردّ الجميل أو يحتفى بالذكر الجليل؟ كيف تريدون أن نلتقي في حرم فرعها البقاعيّ والزحلاويّ السبيل، ولا يستعيد الوفاء شعار مرافقة الغائب الحاضر إلى عرينه الأبديّ الأثيل، الشعار الذي رفعناه طويلًا في ساحة الشهداء في زحله يوم الودعاء: “يا من أوحى باسم جامعة الرّوح القدس وعلّم في صرحها الفكر الساميّ والأدب الخلّاق، لكم منّا، يا عقل لبنان، ديمومة الوفاء والعرفان بالجميل؟”
وتابع: “كيف لا، وجامعتنا هي التي سابقت دقّات قلبه الأخيرة، وكرّمته في أسبوع آهاته المسافرة فوق الزمن، في التاسع عشر من شهر تشرين الثاني، سنة أربع عشرة بعد الألفين ، 19 /11/ 2014، لتصلّي معه صلاة الختام من أجل لبنان وطنًا نهائيًّا، ليس منه بديل: وكانت التمتمات الدعاء، لعقل يأبى العزاء يرفض التمثيل، لمّا يبرح محلّقًا صارخًا دون تعديل: “يا باعدًا بعد النّهى، هزهز بلادي كلّها !” (آخر صرخة شعريّة على فراشه قبل الرحيل بشهرين). كيف لا، ولرهبانيّتنا اللبنانيّة المارونيّة قصّة حبّ مماثلة: فأمويّة سعيد عقل اللبنانيّة أمويّة رهبانيّة حقيقيّة، احتضنت الطفل والشاب في مدارسها وجامعتها، وتقاسمت خيرات الأرض وحبّها مع شركائها، فتعلّقت بالإنسان والكنيسة والوطن والله، لتبقى وتستمرّ دندانة قداسة لروحانيّة مارونيّة أصيلة. كيف لا، وجامعتنا تفتح، من زحله بالذات، أبواب الاختصاص للبقاعيّين كافّةً، وعلى اختلاف انتماءاتهم الدينيّة والسياسيّة، لتبقى عروس البقاع عروس العلم وعروس الأدب والشعر، عروس المناقبيّة الأخلاقيّة الرّضيّة، عروس الشهامة والكرم، عروس الروّح، وعروس سعيد عقل الأبيّة”.
وأكد الأب أبوطقة أنه “من جامعتنا، ومن صرح الدّار الزحلاويّ، نأخذ العبر، ونتسلّح بالوفاء لكبيرنا، لنتوجّه إلى أبناء مدينتي الحبيبة زحله، – وبخاصّة الى رئيس مجلس بلديّتنا الجديد وأعضائه -، لكي يخدموا زحله الأرض والبشر، الكنيسة والمؤسّسات، ولهم من روح سعيد عقل كبـر في التعامل، ومجّانيّة في العطاء، وبذل دؤوب في سبيل الخير العام، ومن أجل استراتيجيّة إنماء متواصل للقطاعات المدنيّة، والإجتماعيّة، والتربويّة، والسياسيّة، من أجل زحله، من أجل لبنان سعيد عقل. هكذا يكون الوفاء للكبار، للمعلّمين، للآباء وللروّاد في الحقّ والحبّ المعقود على المحبّة”.
هلّيط
أما كلمة العائلة فألقاها إبن شقيقة المحتفى به جوزف هلّيط الذي اعتبر “أن سعيد عقل ليس شاعر فقط، بل هو متعدد المواهب، هو شاعر وناثر وفيلسوف ولاهوتي”. وتطرّق هليط إلى ميزات عقل لافتًا إلى “أن ميزته الأولى متعلقة بفلسفته التبادعية، فالتبادعية ليست فقط الإبداع إنما المشاركة فيه. أما ميزته الثانية فمتعلقة بالعنفوان والاعتزاز بلبنان الذي قال فيه أجمل الأبيات”. وأشار إلى أن “عقل حكى عن لبنان العظمة وكان كل هدفه أن يكون للبنان، هذه النقطة الصغيرة على خارطة العالم، حجم حضاري كبير بين الدول، لذا لم ينفك عن التكلم على عطاءات لبنان الحضارية كالأبجدية الفنيقية التي قدّمت الحرف للعالم، وعلى عظمائه عبر التاريخ أمثال موخوس الصيدوني، أول من بحث في الذرّة وإقليدس إبن صور، الذي وضع أسس الرياضيات في كتابه العناصر…” كما تحدث هليط عن تعمّق سعيد عقل باللاهوت المسيحي، مشددًا على إيمانه العظيم بالله.
الأباتي نعمه
من جهته اعتبر الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية الأباتي طنوس نعمه أن تكريم الجامعة لعقل “هو واجب المؤسسة تجاه ركن من أعلامها، كيف لا والعقل عمل إبداعًا في خدمة الرسالة والقضية التي ارتبط اسم الرهبانية بهما، الرسالة هي إعلان حدث الخلاص في عيش الإيمان بالثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس، الثالوث ملهم سعيد عقل، وقد استنارت معرفته بالتأمل المتواتر في الحقائق الموحاة، وبمخاطبة الله بالصلاة والإغراق في سكون الكتاب المقدس، فحمل الرسالة بما أوتي من كفايات التعليم ومهارته، فعلّم الفكر المسيحي في مركز التثقيف الديني للبالغين في دير مار أنطونيوس – بيروت التابع للرهبانية اللبنانية المارونية، وحاضر في كلية اللاهوت في جامعة الروح القدس – الكسليك، وأغنى التراث اللبناني بما فاض فكره من حقائق عن الله والوجود والخلق والفضيلة والإنسان. والقضية التي سكنت قلبه والكيان لبنان، فدرّس سعيد عقل تاريخ الفكر اللبناني في جامعة الروح القدس – الكسليك. لبنان سعيد عقل هو لبنان، القيم، لبنان الحضارات المتراكمة والمنصهرة في حضارة ملبننة، فيها المواطنة تحضن تمايز التعددية الإيمانية والإنسانية، وفيها وحده لبنان الأول والهدف، لا يعلو فوق حقه حق، ولا يرتهن لا لغرب ولا لشرق”.
وتخلل الحفل غداء وزيارة معرض صور “سعيد عقل وزحلة” من أرشيف السيد إيلي أبو طعان.