تراجع تحويلات المغتربين 3 سنوات متتالية يرفع المخاوف حيال متانة الاقتصاد
الطائر – لبنان:
كتب موريس متى في جريدة النهار: استمرت اسعار النفط العالمية بالتراجع منذ منتصف حزيران 2014 حتى اليوم وفقدت ما نسبته 65% من قيمتها نتيجة استمرار الفائض في المعروض من النفط في الأسواق العالمية وعدم التوصل الى اتفاق حيال تثبيت الانتاج، ما دفع بالاسعار الى الإنخفاض من نحو 120 دولاراً للبرميل الى ما يقارب 45 دولاراً حالياً. هذا الأمر كان له تأثيره السلبي على تحويلات المغتربين اللبنانيين العاملين في الدول المنتجة للنفط.
شهد الوضع التمويلي في المنطقة تراجعاً في الامكانات التمويلية بالعملات الاجنبية، وقد ظهر ذلك جلياً في تراجع العملات بقيمتها تجاه الدولار في كل الدول المجاورة، مما يُضاف ايضاً الى أزمة تراجع اسعار النفط. وهذه التطورات إنعكست بشكل كارثي على العديد من ميزانيات الدول التي يوفّر النفط الجزء الاكبر من إيراداتها وبخاصة الدول الخليجية. فاستناداً الى تقارير صندوق النقد الدولي، تكبّدت دول الخليج العربي خسائر تقدر بنحو 390 مليار دولار في العام 2015 نتيجة تراجع عائدات النفط، وقلّص صندوق النقد آفاق النمو في دول مجلس التعاون الخليجي إلى 1%، في مقابل 3,35% خلال العام الماضي. وتوقعت التقارير الدولية ايضاً أن يصل عجز الموازنة في الدول العربية المصدرة للنفط إلى 12,75% من الناتج المحلي خلال السنة الجارية.
هذه التطورات التي أدت الى توقف العديد من المشاريع في الدول الخليجية، بالاضافة الى التباطؤ الاقتصادي الذي يشهده عدد من الدول الاوروبية وتحديداً بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي وتداعياته على الوضع الاقتصادي للتكتل الاوروبي الموحد، بالاضافة الى الأزمات والصراعات التي تعصف بالعديد من الدول الافريقية، حمّلت ايضاً لبنان تداعيات غير مباشرة تمثلت في تراجع تحويلات المغتربين اليه.
فوفق أرقام مصرف لبنان، التي لا تختلف كثيراً عن أرقام البنك الدولي، تراجعت تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج بنسبة 3,3% في العام 2015 لتصل الى نحو 7,2 مليارات دولار مقابل 7,4 مليارات دولار في العام 2014 على ان تتعدى بحسب التقديرات، وبحدها الاقصى، الـ 7 مليارات دولار في نهاية 2016. وبالفعل، يعود هذا التراجع الى هبوط اسعار النفط وتباطؤ النمو الاقتصادي في الدول الخليجية التي يعمل فيها نحو نصف مليون لبناني بالاضافة الى تباطؤ بعض الاقتصادات الافريقية حيث ثمة وجود أيضاً لعدد كبير من اللبنانيين العاملين، مثل نيجيريا التي دفعت ايضاً ثمن تراجع اسعار النفط. وشكلت تحويلات العاملين الى لبنان ما يقارب 14% من الناتج المحلي الاجمالي في 2015 المقدر بـ50,8 مليارات دولار مقابل نحو 15% من الناتج المسجل نهاية 2014 والذي يقدر بنحو 49,6 مليار دولار.
ورغم ان هذه النسب تعتبر من الاعلى في العالم إذ ان لبنان يحتل المرتبة 13 عالمياً حيال قيمة التحويلات والمرتبة 19 عالمياً حيال نسبتها الى الناتج المحلي، الاّ أن اي تراجع في هذه التحويلات قد تكون له تداعياته الكارثية على الوضع الداخلي اللبناني. فهذه التحويلات تعتبر بحجمها الكبير من الاسس والركائز التي ساهمت في تدعيم الاقتصاد اللبناني خلال الازمات التي لم تنته بعد في غياب اي حركة ونشاط إقتصادي للقطاعات في الداخل، علماً أن المغتربين اللبنانيّين هم الشريان الحيّ الأساسيّ للاقتصاد الوطني.
ومساهمة #تحويلات_المغتربين_اللبنانيين في الاقتصاد اللبناني كبيرة، وذلك عبر قنوات عدة ومن خلال زيادة الإستهلاك إذ يتمّ انفاق قسم كبير من تحويلات المغتربين إلى ذويهم على الاستهلاك عموماً، بالاضافة الى الإستثمار في القطاع العقاري، وتساهم ايضاً في زيادة الودائع في المصارف وذلك نظراً الى الفائدة العالية التي توفرها سندات الخزينة اللبنانية.
كما تساهم التدفّقات المالية من المغتربين في سدّ فجوة ناتجة من الميزان التجاري وتجعل ميزان المدفوعات في حال جيّدة، كما أنها تؤمّن جزءاً مهمّاً من العملات الأجنبيّة الموجودة في لبنان.
وفي هذا السياق، حرص #مصرف_لبنان على استباق أي تداعيات ممكنة لهذه التطورات على الداخل اللبناني في ظل تدهور الوضع في المنطقة العربية وفي الدول الأخرى التي يعمل فيها #اللبنانيون ويحوّلون منها الاموال الى لبنان. وفي ظل الوضع السياسي الداخلي الصعب ابتدع المركزي هندسة مالية هدفت الى تعزيز الموجودات من العملات الاجنبية والى توفير السيولة اللازمة لتدعيم ميزانيات المصارف والسيولة الضرورية لتمويل الاقتصاد المحلي بقطاعيه الخاص والعام. وقد نجحت هذه الخطة ولم يرغم مصرف لبنان على رفع الفوائد ولم تتحمل اية جهة اي أعباء من جراء هذه الهندسة.
واستناداً الى ميزانية مصرف لبنان الصادرة في 31 آب الماضي، إرتفعت موجودات المركزي بالعملات الاجنبية الى رقم قياسي تاريخياً وهذا الامر تحقق من خلالها تدعيم وضع الليرة اللبنانية وميزانيات المصارف، بالاضافة الى زيادة الودائع لدى القطاع المصرفي والتي تعززت عبر التحويلات الخارجية رغم انها كانت أقل حجماً من العام الفائت. وللحدّ من أي تداعيات لتراجع حجم التحويلات الى الداخل اللبناني والتطورات التي تشهدها المنطقة، اسهم المركزي ايضاً في توفير سيولة مرتفعة بالليرة اللبنانية مما عزّز التسليفات لدى القطاع، فيما يبحث المجلس المركزي بالتنسيق مع لجنة الرقابة على المصارف امكان تكوين ما بين 1% و2% كمؤونة عامة على المحفظة الائتمانية في القطاع المصرفي بالليرة اللبنانية وتبعاً لحاجة المصرف.
اما ما تبقى من المداخيل المتأتية من هذه الهندسة سيبحث المركزي مع لجنة الرقابة على المصارف وجمعية المصارف آلية أن يتم بموجبها تحرير المبالغ الفائضة على شكل ارباح المصارف شرط أن تساوي هذه المبالغ قيمة تسليفات جديدة تمنحها المصارف بالليرة اللبنانية للقطاع الخاص.