رمضان ملئ قلوبنا
محمد الخزري
الطائر – تونس: كلمة لها وقع خاص في آذان التونسيين في شهر رمضان المعظم، وهي عنوان لبرنامج إذاعي يبث كل يوم قبل موعد الإفطار على موجات الإذاعة التونسية وقد اشتهر بتنشيطه المذيع عادل يوسف لمدة ناهزت الثلاثين عاما وهو الذي عرف بعذوبة صوته وطلاقة لسانه، آنذاك لم تكن وسائل الإعلام متنوعة ومتعددة كما هو الحال اليوم وبالتالي كانت أجواء “شهر رمضان” في مختلف البيوت التونسية تتكيف حسب ما تبثه الإذاعة الوطنية من مسلسلات ومنوعات، و كذلك ما تبثه التلفزة الوطنية، تلك البرامج رغم جماليتها ورغم المجهود الرائع والصادق من قبل المذيعين والممثلين والفنانين، فقد كانت تعمل على ايصال صورة واحدة عن شهر رمضان للتونسيين وهو “رمضان” العاصمة والمدينة العتيقة.
لكن أجواء رمضان مختلفة و متنوعة في البلاد التونسية من شمالها إلى جنوبها و من شرقها إلى غربها، تختلف بداية من مائدة الإفطار وصولا إلى السهرات والعادات والتقاليد لكن هذا لا ينفي وجود أشياء مشتركة كـ بعض مكونات المائدة الرمضانية.
تشترك موائد رمضان في تونس بـ “الشربة” وهي حساء لذيذ مطبوخ في غالب الأحيان مع لحم الدجاج ومع السمك في المناطق الساحلية، و مادة “الشربة” تباع إمّا في أكياس مصنعة أو يتم تحضيرها يدوياً في الأرياف وخاصة في مناطق الشمال الغربي التي تكثر فيها حقول الشعير حيث يتم حصد سنابل الشعير في أواخر الربيع وطحن الحبات طحناً خفيفا بعد تجفيفها ثم يتم تخزينها لشهر رمضان، أما الوجبة الأخرى التي لا تكاد تخلو منها المائدة التونسية عند الإفطار هي “البريك” وهي عبارة عن عجين مرقق محشو بالبيض والبطاطا وطيها على شكل مثلثات ثم يتم قليها بالزيت، لكن يبقى أهم شيء في الإفطار في تونس والذي تشترك فيه مع كل شعوب العالم العربي والإسلامي هو التمر، اذ تعتبر تونس من أهم مصدري التمور في العالم حيث ينبت في صحراء ولايات الجنوب التونسي الجميلة أجود وأطيب أنواع النخيل، خاصة في ولايات قفصة وقابس وتوزر وقبلي ومدنين وتطاوين، وهي مناطق تختلف فيها أجواء شهر رمضان عن الأجواء بالعاصمة. ففي شهر رمضان لا تحتلف اجواء نهار العاصمة عن سائر ايام السنة، فهي لا تعرف الهدوء اوالسكون. اما من يريد أن يشتم رائحة شهر رمضان فعليه بالأسواق والمتاجر الكبرى حيث وفرة المنتجات وتهافت المواطنين على مختلف المواد وخاصة مشتقات الألبان والبيض والدواجن، أما في الليل فتعود الحياة الى الساحات وتزدحم المقاهي والشوارع والمتاجر والمطاعم بالعائلات المحبة للسهر حتى وقت متأخر من الليل، كما تتنوع في العاصمة الأنشطة الثقافية، من عروض مسرحية وغنائية وتنشيط للمدن وقد ساعد على ذلك تزامن شهر رمضان مع موسم المهرجانات الدولية الصيفية المعروفة كمهرجان قرطاج، أما باقي مناطق البلاد وفي مختلف الأرياف فيتميز نهار شهر رمضان بالهدوء والسكينة . أمّا في مدن الجنوب التونسي فتشعر في كل لحظة بشهر رمضان من خلال الزينة في المتاجر وااليافطات المهنئة بحلول الشهر الكريم وما يميز أسواقهم هي تلك الأشياء البسيطة التي اعتاد الناس على شرائها من الطرقات قبل حلول الإفطار بوقت قليل مثل بعض مشتقات التمور، و”الهريسة” التي تتكون من حمص مطبوخ بالماء ممزوج بالبهارات والتوابل، أما في الليل فتدب الحياة من جديد في المقاهي رغم قلة الأنشطة الثقافية فالسهرات تكون ممتعة وبسيطة بـ”لعبة الخربقة” التي يمارسها الجميع خاصة كبار السن.
وبما أنّ شهر رمضان هو شهر البركة حسب قول التونسيون البسطاء، كثرت في الآونة الأخيرة خاصة بعد الثورة وتحرر الشأن الديني من الخطاب الواحد والقالب الواحد نشطت حركة الجمعيات الخيرية ومبادرات التآزر والتضامن بين الناس ومساعدة المحتاجين والمعوزين وفتحت المساجد أبوابها للناس دون ضغوطات لأداء الصلوات كل ليلة.
وبالرغم من الصعوبات وارتفاع الأسعار يمر الشهر الضيف خفيفا آخذا معه جزءا هاما من فصل الصيف الحار، تاركا في قلوب الناس حبا ورحمة وحرارة الايمان، وباعثا في النفوس أملا في مستقبل أفضل لكل المسلمين ولكل العالم ويبقى “رمضان ملئ قلوبنا”