الطائر – لبنان:
بقلم: حسن علول*
عند عودتنا للقراءة عن التحليل النفسي، أول ما يخطر في بالنا فرويد وتياره وتأسيسه لمدرسة التحليل النفسي.
عند التفكير في التحليل النفسي، يظهر أمامنا عالمٌ معقد من الأفكار والنظريات التي تشد انتباهنا. يتداخل اللاوعي، مع مفاهيم العقدة النفسية وتأثير العلاقات الطفولية. يأتي اسم فرويد إلى الأذهان، فهو الشخص الذي سطر روافد هذا المجال.
يتساءل المرء عن كيفية تشكيل الجمل النفسية وتأثيرها على تصرفاتنا. وفي هذا السياق، يظهر العلاج النفسي كأداة لفهم الذات وعلاج التحديات النفسية. إن متابعة التحليل النفسي قد تصطحبنا في رحلة استكشافية لفهم عميق لأعماق النفس وتأثير الماضي على الحاضر.
مدارس التحليل النفسي الجديدة “وتطورها” بعد النهوض بأفكار فرويد.
مدارس التحليل النفسي الجديدة تشير إلى التطورات والتجارب الجديدة التي نشأت في ميدان التحليل النفسي بعد النهوض بأفكار سيجموند فرويد. هناك عدة مدارس نفسية جديدة قد أسهمت في تطوير وتعميق فهمنا للعقل البشري. من بين هذه المدارس:
مدرسة يونغ (Jungian School):
تأسست بواسطة كارل يونغ، وتركز على مفاهيم الأركيتيبات والتحليل الجماعي.
مدرسة أدلر (Adlerian School):
تتبع نظريات ألفريد أدلر، مع التركيز على النقص الحسي والشعور بعدم المساواة.
مدرسة بيون (Object Relations School):
تركز على العلاقات البينية وكيفية تأثير الأفراد على بعضهم البعض.
مدرسة هايز (Ego Psychology School):
تركز على فهم وظائف الأنا وكيفية تكييف الفرد مع الواقع.
مدرسة لاكان (Lacanian School):
تستمد من أفكار جاك لاكان وتركز على رؤيته للتحليل النفسي.
وهذه أمثلة على بعض المدارس التي تُعتبر محاولات لتطوير وتوسيع نطاق التحليل النفسي وتكامل العديد من العوامل النفسية والثقافية والاجتماعية في فهم الطبيعة البشرية.
المدرسة اللاكانيّة “الجديدة”.
لكن ما يهمنا في عودتنا للقراءة عن التحليل النفسي اليوم هي المدرسة اللاكانية “الجديدة” (نسبة إلى المُحلّل النفسي الفرنسي جاك لاكان (1901 – 1981) الذي أعاد تفسير النصوص والتعاليم الفرويدية فلسفيًا ولغويًا)، ويُشير اللاكانيون إلى توسيع وتطوير أفكار لاكان، ويُضيفون عليها بمفاهيمهم الخاصة من خلال استكشاف الصعوبات والتساؤلات الفردية، وفهم الحقيقة الإنسانية في ظلال اللاوعي، يُمارس التحليل النفسي كخطاب أخلاقي حُرّ، يسعى لفهم المجتمع بروح التفاعل والتحليل العميق، ويظهر كنقد شامل لخطاب “السيد”. أي ماذا يعني ذلك؟ التحرر من الهيمنة وقوى الإستعمار والإحتلال.
الحرية التي تراها المدرسة اللاكانيّة “الجديدة”.
بعد السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، أصدرت ما تُسمى المدرسة التحليلية اللّاكانية “الجديدة” التي يقعها مقرها في فرنسا بيانًا رسميًا إنحازت فيه إلى الاحتلال الإسرائيلي وتبنّت سرديّته، بحذافيرها، وكانت تنشرها أكثر من الصحف العبرية نفسها، التي تراجعت عنها بعد زيف ما أوردته الصحف بوصفه “حقائق”.
بالعودة للحرية المزعومة من المدرسة “الجديدة” فقد فشلت في اختبارها العملي أمام تنظيرها السابق، بتبنّيها خطاب المُستعمِر، وصمتها عن مجازر التهجير والإبادة الجماعية – المُستمرّة للآن – بحقّ الفلسطينيين في غزّة، وأكثر من نصفهم نساء وأطفال، ولم يكن ذلك ضمن تعبير “انتهاكات ضدّ الإنسانية” الذي أوردته في بيانها المُنحاز للاحتلال الإسرائيلي بل ضربت الإنسانية عرض الحائط وأصبح بين الإنسانية والإنسانية مدرسة لاكانيّة “جديدة”.
تأثير الماضي على الحاضر فرويد والتحليل النفسي نموذجًا.
فرويد يولّي أهمية كبرى للماضي وتأثيره وإذا أردنا إسقاط هذه الفكرة على تلك “الجديدة” نرى مدى تأثرها وتطورها لكن العكسي، منها ما حصل في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2018. في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2018 وُجّهت دعوات من قِبل عاملين في مجال الصحّة النفسية من فلسطين وخارجها لـ المدرسة اللاكانيّة “الجديدة”، تُطالبها بالعدول عن قرارها بعقد مؤتمرها في “إسرائيل”، لأسباب منها ممارسات الاحتلال، انتهاكات حقوق الإنسان، عدم قدرة الفلسطينيّين على حضور مثل هذه اللقاءات. وما كان من المدرسة “الجديدة” إلا أن تجاهلت تلك الأصوات، ولم تستجب لمطلب تغيير مكان اللقاء.
تلك الفترة كانت فترة “مسيرات العودة الكُبرى” التي إستشهد فيها الكثير من المدنيين العزل. وعلى الرغم من ذلك، عُقد اللقاء كما خُطِّطَ له. وفي الفترة نفسها، وُجّهت، أيضًا، دعوات إلى “الرابطة الدولية للتحليل والعلاج النفسي العلائقي” لتغيير مكان عقد لقائها في حزيران/ يونيو 2019 (تل أبيب)، وردّت حينها بأنّها لا تُحدّد أماكن مؤتمراتها بناءً على اعتبارات سياسية.
التماهي كـ «ميكنزم» دفاعي لتجاوز عقدة الغرب ونظرته الثقافية.
الانحياز إلى المُستعمِر ما هو إلا تعبير عن أزمة ثقافية – نفسية ابتلعتها بالتماهي مع نظرة الغرب الاستشراقية إلى الآخر المُختلف، وهو ما يُحيلنا إلى اعتقاد اعتنقه اليونانيون القدماء بأنّ الآلهة خلقتهم من مادّة نورانية خالصة، فيما خُلِق غيرهم من مواد خسيسة جعلتهم يعانون من قُصور عقلي وعضلي. في هذا السياق، تظهر ممارسات الاحتلال ومواقف المنحازين له كمحاكاة لجدلية “السيد والعبد” لهيغل، وتتناغم مع نظرية فرانز فانون حول “الأقنعة البيضاء”، حيث يتم تصنيف وتحديد “الآخر” بطريقة بسيطة. يفسر هذا المرجع النفسي تصوير المستعمر للإنسان الفلسطيني في غزة كـ “حيوان بشري”، مُبررًا بذلك الجرائم كالقتل وانقطاع المياه والكهرباء والحصار الغذائي، واستهداف المرافق الطبية، وذلك في سياق تبني بعض المؤسسات الأوروبية لرواية الاحتلال. ومثل ما يقول فرانز فانون، الاحتلال ليس خطابًا يمكن تفكيكه ولا آلة مفكرة، بل هو عنف هائج في كل تفاصيله وقوة عارية تخترق كل شيء من الثقافة والقيم والموارد و الأجساد. وعلى السيرة أنصحكم بقراءة هيغل ومعطفه الذي أنقذ الفلسفة من الضياع.
أفكار لأزمنة الحرب والموت س. فرويد
بالحديث عن الحرب في هذا الكتاب الذي طرحته كـ عنوان للحديث عن ما كتبه فرويد لألبرت أينشتاين من رسائل وكانت متبادلة عن الحرب وهذا بإختصار وأدعوكم لقراءة هذا الكتاب أيضًا، خاصة في وقتنا هذا. وعن ما كتبه فرويد في 26 شباط/ فبراير 1930، وهي رسالة أيضًا إلى حاييم كوفلر، عضو “مؤسَّسة إعادة التوطين في فلسطين”، الذي دعاه لتأييد “التوطين”، وكان ردّ فرويد واضحًا في رفضه القطعي. ومما جاء في رسالته: “لا يمكنني أن أشعر بذرّة تعاطف مع تديّن أُسيء تأويله، يجعل قطعةً من جِدار هِيرودس معلمًا وطنيًا، يتم بسببه تحدّي مشاعر سكّان البلد الأصليّين”.
يمكنك أن تكون لاكانيًا، إذا اردت، أنا فرويدي
عام 1964، دعا جاك لاكان تلاميذه بالعودة إلى فرويد بعد ضلالهم عن القواعد والمفاهيم والتعاليم الأساسية للتحليل النفسي. وكذلك نحن ـ عاملين، اختصاصيين، أو مجرد قارئين في الصحة النفسية ـ أعتقد أنّنا بحاجة للعودة إلى فرويد، ليس لمدرسته التي يرفضها الغالبية بل هذه المرّة عبر أخلاقيات وممارسات التحليل النفسي في المقولات السياسية، وفي تجلّيات الكلمة الحُرّة غير المتماهِية مع خطاب السيّد أو المُحتَل.
* طالب ماستر في علم النفس العيادي في الجامعة اللبنانية.
يمكنكم متابعة صفحات psycholosophyy عبر كل منصات التواصل الإجتماعي للمزيد من المعلومات حول مواضيع علم النفس..