الطائر – لبنان:
كشفت أعمال التنقيب في منطقة الأكروبول، وهي أعلى نقطة في صور، عن معبد فينيقي قائم في المنطقة التي شهدت نشاطاً مدنياً منذ الألف الثالث قبل الميلاد. وبحسب المديرية العامة للآثار القائمة على الحفريات، فإن المعبد بقي موجوداً حتى الفترة الرومانية، حيث تظهر أجزاء مهمة منه من تلك الفترة، مثل المدخل المشهدي والأعمدة الغرانيتية.
ومن المتوقع أن يساعد اكتشاف المعبد والمنشآت التاريخية حوله، علماء الآثار في إعادة رسم تاريخ مدينة صور، وتاريخ التمدّن حول العالم، نظراً إلى «دور مدينة صور القديمة خلال عصرها الذهبي»، عندما كانت تتسيّد مدن شواطئ البحر المتوسط». كما قد يساعدهم في حل أحد ألغاز العالم القديم، وهو موقع معبد ملكارت، معبود المصريين، ومعرفة طقوسهم الدينية التي لا تزال مجهولة حتى يومنا هذا، بسبب اختفاء مصادرهم الكتابية.
وقاد هذه الاكتشافات الأثرية الحديثة في المدينة، فريق مختص في علم الآثار، ضمن مشروع الأبحاث الأثرية القائمة في أحد المواقع الأثرية، المُحاذي للطرف الجنوبي لحارة مدينة صور القديمة، وغرب الموقع المعروف باسم الكاتدرائية الصليبية، وهو مشروع مشترك للمديرية العامة للآثار مع جامعة «برشلونة بومبي فابر»، وجامعة «وارسو» البولندية، ومركز آثار البحر المتوسط.
في السياق، أشار مسؤول المواقع الأثرية في الجنوب، علي بدوي، لـ«الأخبار» إلى أن الأبحاث تركّز على الجزء الرئيسي من منطقة الأكروبول، التي يتواجد فيها عادةً «القصر والمعبد». وتشير المكتشفات، إلى وجود معبد قديم قائم في هذه المنطقة، إضافةً إلى عدد من الأثار، تعود إلى فترات تاريخية للعصر الروماني والهلنستي والفينيقي.
وتدلّ هذه الأبحاث الأثرية على وجود نشاط أثريّ، يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، قرب المعبد المُكتشف، والذي يُعتقد أنه المعبد الفينيقي الضخم المعروف باسم «معبد صور» التاريخي، والمشهور في العالم القديم. وقد يكون هذا المعبد هو الذي مَنع فيه أهل صور الإسكندر من تقديم الأضاحي، ويُعدّ أحد الألغاز الأثرية للعالم القديم، التي تحاول الأبحاث التي بدأت منذ عامين، وستستمر في الأعوام المقبلة، حلّها.
في الواقع، تحدّث المؤرخ اليوناني هيرودوت، عن هذا المعبد لدى زيارته المدينة في القرن الخامس قبل الميلاد. ووصف آنذاك أن أحد أعمدته كان مغطّى بالذهب، والآخر يشعّ بالزمرّد، ما يدلّ على قداسته وقيمته الدينية، لدى سكان مدينة صور في العالم القديم.
[اشترك في قناة «الطائر» على يوتيوب]
أمّا من الناحية العمرانية والهندسية للمعبد، فإنه يشبه في بنائه، حسب التوراة، معبداً في أورشليم، حيث كان مهندسي صور وبنّائيها، الذين أرسلهم حيرام الملك، قد بنوا فيها معبداً للملك سليمان على نفس نمط معبد صور، الذي كان مشهوراً في زمن حيرام الملك، وزمن مدينة صور التاريخية.
ومن المعالم المهمة المكتشفة والظاهرة في المعبد، من خلال المدخل المشهدي، منطقة كبيرة معبّدة بالأحجار، إضافةً إلى مسلّة لكاهن جرى نقلها إلى المتحف، وطريق وساحة معبّدة على مساحة كبيرة، عليها إنشاءات تعود إلى حقبات تاريخية مختلفة، إضافةً إلى أعمدة من الرخام وبقايا جدران تحيط به.
أما في محيط المعبد، فتمّ العثور على إنشاءات مبانٍ دينية فينيقية أو كنعانية، قد تكون لأكثر من معبد، وقد أُعيد استخدامها في فترات لاحقة، لاسيما أنه تمّ العثور على كاتدرائية تعود إلى العصر البيزنطي، فيها أعمدة مستخدمة من المعابد الفينيقية القديمة الموجودة في منطقة الأكروبول، كانت قائمة فوق المعبد المكتشف. ويرجّح أنها مرتبطة بزمن التحوّل الأول من الوثنية إلى المسيحية. أضف إلى ذلك، وجود المسجد الأول الذي بناه المسلمون خلال فتوحاتهم، والذي يقع في إحدى الزاويا، فيما لا يزال جزء منه محفوظاً تحت الكاتدرائية الصليبية، مما يدلّ على أن هذه المدينة بقيت على استخدام ديني متواصل، أو «منطقة مقدّسة»، من الألف الثالث قبل الميلاد حتى حوالى القرن الثالث عشر ميلادي على الأرجح، مع تبدّل الأديان وتغيّر الشعوب التي حكمت المدينة.
وستحوّل هذه القيمة الأثرية والسياحية للاكتشاف، الموقعَ إلى مقصد للسيّاح بعد تأهيله، علماً أنه كان مصنّفاً كموقع للأبحاث العلمية التاريخية، قبل أن يصبح، بعد هذه المكتشفات، قابلاً لإعادة التطوير، ليصبح أحد المواقع السياحية المهمة نظراً إلى الأهمية التاريخية والمعمارية للمكتشفات الموجودة فيه.
المصدر: جريدة الأخبار