الوزيرة عز الدين تحاضر في الجامعة الاسلامية فرع صور
الطائر – لبنان:
بدعوة من الجامعة الاسلامية في لبنان والحركة الثقافية في لبنان القت الوزيرة والنائب د. عناية عز الدين محاضرة تحت عنوان “مقاربة ادارة النفايات: بين مبادئ الاستدامة والواقع العملي” في قاعة احتفالات فرع الجامعة في صور، حضرها الامين العام للجامعة ا.د. حسين بدران، وعميد كلية العلوم السياسية والدبلوماسية ا.د. رامز عمار ، المسؤول التنظيمي لاقليم جبل عامل في حركة امل علي اسماعيل، مدير العلاقات العامة في الجامعة د. هشام الحسيني وفعاليات تربوية واجتماعية ورؤوساء بلديات واساتذة الجامعة وطلابها ومهتمون.
وبعد النشيد الوطني اللبناني القت عضو الحركة الثقافية في لبنان راغدة القرى كلمة ترحيبية شكرت فيها الوزيرة عز الدين على مشاركتها والجامعة الاسلامية على استضافتها، مستعرضة نشاطات الحركة ومشاريعها في لبنان .
كما رحب مدير فرع الجامعة في صور د. انور ترحيني بالوزيرة عز الدين والحضور. بعدها استهلت الوزيرة عز الدين محاضرتها بالقول.. اود بداية ان اعبر عن سعادتي بوجودي بينكم هنا في الجامعة الاسلامية، احد احلام سماحة الامام المغيب السيد موسى الصدر، واحدى الصروح العلمية الجامعية الكبيرة في لبنان. ولا بد من الاشادة بقرار ادارة الجامعة باقامة فروع لها في المناطق اللبنانية وخاصة في صور لان التعليم المتوازن هو بلا ادنى شك مقدمة للانماء المتوازن وللتنمية المستدامة. الا اني ومع سعادتي بلقائكم اشعر بالاسف لاننا بدل ان نجتمع لنتحدث في قضايا تهم الشباب اللبناني ومستقبله وكيفية مواجهته للتحديات، بدل التفكير بانشاء البنى التحتية لاقتصاد المعرفة وبسبل مواكبة الثورة الصناعية الرابعة التي يقبل عليها العالم خلال سنوات قليلة، او الانكباب على دراسة اهمية البحوث العلمية في الجامعات وكيفية ربط نتائجها بمواقع القرار، نجد انفسنا مضطرين للحديث عن ازمة النفايات في لبنان. نعم نحن مضطرون ولا نملك مطلقا ترف عدم الخوض بهذه الأزمة التي تحولت الى ازمة وطنية والسبب بكل بساطة هو غياب الرؤية البيئية المتكاملة المترافق مع غياب الرؤية الاقتصادية الواضحة او الزراعية او المائية او الاسكانية (للاسف هناك غياب تام لرؤية شاملة يتم على اساسها معالجة الأزمات في لبنان). لذلك شهدنا حلول مجتزأة، مفككة ومبعثرة وتكرار للمشكلات وتكرار لعدم ايجاد الحل وكأن التاريخ يعيد نفسه مولدا المأساة والملهاة في موضوع النفايات.
ورأت عز الدين ان الحلول كانت دائما قاصرة عن بلوغ المستوى المطلوب، ولا أدري ان كانت الحكومات المتعاقبة غير قادرة او غير راغبة بوضع خطة بيئية وطنية شاملة تراعي مبدأ الاستدامة والجدوى الاقتصادية وتشكل بابا لحل الازمة المطروحة والمتمادية منذ عقود .وبحسب خبرتي في هذا الملف الذي تابعته منذ استلامي وزارة الدولة للشؤون التنمية الادارية، فإن اساس المشكلة يكمن في التعاطي مع النفايات على انها مواد يفترض التخلص منها، وهذا من الاخطاء لا بل الخطايا العلمية الكبيرة. هنا برأيي السبب الاساسي والجوهري للفشل الذي شهدناه طوال هذه السنوات في مجال ادارة ملف النفايات.لا حل علمي بيئي صحي مستدام الا بالتعاطي مع النفايات على انها مورد يخضع للقواعد المتعارف عليها في مجال الموارد اي التخفيف من استهلاكه اولا ومن ثم العمل على استرداده وفق مبدأ “استرداد القيمة”.ان هذا المبدأ ينسجم مع الدورات التي تزخر بها الطبيعة مثل دورة الماء والعناصر الغذائية. نلاحظ ان في هذه الدورات المخلفات تصبح مصادر جديدة. ولكن وللاسف فان السائد اليوم في العالم وخاصة في مجتمعاتنا هو ” صنّع استهلك تخلص” .
واكدت ان البديل هو الاقتصاد الدائري الذي من شأنه ان يحول السلع التي وصلت الى نهاية عمرها الى موارد لسلع اخرى وهكذا نساهم بتخفيف النفايات. البديل هو:اعادة تدوير ما لا يمكن او لا نريد استخدامه recycle، اصلاح المكسور او المعطل، واعادة تصنيع ما لا يمكن اصلاحه.واهمية هذا الاقتصاد البديل ان الانسان، المواطن هو المحور الرئيسي. يصبح المستهلكون في هذا النموذج مستخدمين ومبدعين. كما تتأمن فرص عمل لالاف الاشخاص. ونحن نتحدث عن مفاهيم جديدة تحتاج الى مؤيدين ومقتنعين. لم يعد بالامكان العمل وحل المشاكل على مبدأ business as usual. تجدر الاشارة ان بلدان مثل الولايات المتحدة الاميركية وكوريا الجنوبية والصين بدأوا باجراء برامج بحثية حول الاقتصاد الدائري وانا ادعوكم لتكون الجامعة الاسلامية من اوائل الجامعات التي تولي هذا المفهوم الاهمية اللازمة. بالعودة الى ملف النفايات ومن اجل ان نفهم القضية لا بد من الاجابة عن سؤال هو: ما هو واقعنا اليوم؟ على الرغم من المحاولات الكثيرة التي بذلت لمعالجة هذا الوضع على مدى سنين طويلة، الا ان المكبات العشوائية لا تزال منتشرة وموزعة على مساحة الجغرافيا اللبنانية وخاصة خارج بيروت وفي المناطق الريفية. اما ما نسميه المطامر الصحية فهي وبكل اسف ليست كذلك لانها لا تنطبق مع المعايير المعتمدة ولان عصارتها تتسرب في كثير من الاحيان الى مياه الانهار والى البحر. وهنا يجب ان نتذكر عندما نتكلم عن النفايات فلا نعني فقط النفايات المنزلية، انما ايضاً النفايات الطبية- نفايات المسالخ، النفايات الصناعية والنفايات الزراعية، والالكترونية والكهربائية…اذا الطريق امامنا ما يزال طويلاً ولا زلنا بحاجة الى خطوات كثيرة لتأمين معالجة سليمة لنفاياتنا ولحماية بيئتنا.
واردفت…البلد كما تعلمون، فيه كثير من المعامل (المعالجة الميكانيكية والبيولوجية التي تؤمّن حتى الآن استرجاعاً للموارد بقيمة 8% وتخفف من كمية النفايات واثرها على البيئة) الا ان معظم هذه المعامل تعاني من التالي:
اولاً: نقص في الخبرات القادرة على تشغيل هذه المعامل بالطريقة السليمة.
ثانياً: ان هذه المعامل التي انشئت لمعالجة النفايات المنزلية فقط اصبحت تستقبل كل انواع النفايات، مما يؤدي الى عملية فرز غير فعالة وكمية عوادم كبيرة جداً.
ثالثاً: ان نوعية الكومبوست او السباخ الذي نحصل عليه من المعامل نتيجة هذه الممارسات هو ليس طبعاً بالنوعية المطلوبة.
رابعاً: باختصار نحن نملك معامل ولكنها لا تعمل بالفعالية المطلوبة بسبب غياب البيئة المساعدة الضرورية لفعالية هذه المعامل، فالمطلوب عدم وصول الردميات مثلا والدواليب، (فالمطلوب وضع سياسات تؤدي الى تحويل النفايات الغير منزلية الى مسارات اخرى غير هذه المعامل مثلا تحويل الردميات او الاعمال الناتجة عن الردم والنفايات الالكترونية او الصناعية مثل دواليب السيارات، البرادات، الاثاث المنزلي) الى اماكن اخرى غير المعامل التي انشئت من اجل الفرز والتسبيخ. المطلوب ايضاً وضع سياسات تؤدي الى تدريب صحيح لكل من يريد ان يعمل في هذه المعامل او تشغيل هذا النوع من المعامل.
خامساً: انشئت معامل دون لحظ ضرورة انشاء مطامر صحية.
سادساً: ان اي حل طويل الامد وقابل للحياة في معالجة النفايات، محفوف بالمخاطر في ظل الضعف الذي تعاني منه الدولة لان المشكلة ليست فقط في ادارة النفايات انما في بنية النظام كما ان الحلول اللامركزية غير قابلة للحياة او على الاقل لتأدية الدور المطلوب منها في ظل الضعف الذي تعاني منه البلديات سواء على صعيد الموارد البشرية والمادية والخبرات والمستوى.
سابعاً: في زمن اهداف التنمية المستدامة التي تتكلم عن الشمولية، وفي زمن الكلام عن الحوكمة والتشاركية نجد ان هناك تغييباً شبه كامل للرأي العام عن القرار المتعلق بحل ازمة النفايات وهو قرار يمس حياة الكل ومستقبلهم ومستقبل الاجيال في هذا الوطن. مشاركة المواطنين في هذا القرار هي حق اساسي لهم لانها تمس حياتهم وتمس صحتهم وصحة بيئتهم وهنا الموضوع لا يقتصر فقط على موضوع معالجة النفايات وانما يعكس ازمة في طريقة الحكم والحوكمة السائدة في لبنان.
ثامناً: هناك غياب للوحدات المحلية والمناطقية المتخصصة في موضوع اعادة التدوير وقد يكون لبنان الدولة الوحيدة في العالم التي لا يتم التفكير فيها من قبل المسؤولين والمعنيين بأهمية اعداد وتوفير الكادر البشري المتخصص والقادر على مواكبة هذه العملية.
وتابعت…في المقابل هناك نقاط مضيئة في التجارب التي شهدناها وابرزها ان القوى المجتمعية (منظمات المجتمع المدني وبعض البلديات الصغيرة) اثبتت انها حاضرة للتحول نحو نشاطات التدوير ولكن للاسف فإن السلطات اللبنانية لا تقوم بدورها القاضي بتنظيم هذا القطاع. كلنا نعلم ان في لبنان قطاع غير رسمي وغير مرئي يضم مجموعة من المدورين وهم يساعدون في عملية استرداد الموارد على الرغم من عدم تقديم الجهات الرسمية اي مساعدة او تسهيلات لهم. وبالانتقال الى القانون الذي اقر، هو ليس نهاية المطاف انما بداية المطاف، وبالطبع كما تعلمون هو ليس الافضل، فقد تحدث هذا القانون عن كل شيء ولكنه لم يملأ الثغرات الموجودة في عملية ادارة ومعالجة النفايات في لبنان. من المتعارف به على نطاق واسع في دول العالم أن تشريع النفايات الصلبة يشمل عادة “مستويين”. المستوى الاول هو الاطار التشريعي العام قانون-اطار الذي يحدد التعاريف والمسؤوليات والالتزامات. وهذا القانون الاطاري عادة يجب ان يحدد النطاق (scope) فيه والقانون يجب ان يعكس رؤية واستراتيجية الدولة وصانعي القرار لما يجب ان يحققه هذا القانون بناء على الاولويات التي تحدثنا عنها في البداية. يمكن ان يكون النطاق بكل بساطة: اولاً: حماية سلامة الفرد والبيئة، ثانياً: استرداد الموارد، ويجب ان يكون واضحاً. هذه العبارات لا ترد في هذا القانون على انها اساس الرؤية. هذا القانون ايضاً يعاني من مشكلة على مستوى التعريفات، كما ان المبادئ لا تعكس الالتزام والاستدامة في زمن الحديث عن اهداف التنمية المستدامة. هنا اريد ان اورد نقطة مهمة وهي ان المشرع عندما يكون في طور عملية التشريع يجب ان يضع الارضية اللازمة التي تمكن مختلف التقنيات التي نريد ان نتّبعها في معالجة النفايات من التنافس بشكل عادل، انما هذا القانون يعطي -بين السطور- الافضلية بطريقة مباشرة وغير مباشرة لتنمية المحارق وهذه النقطة لا تعكس شفافية.
وختمت بالقول: انطلاقاً من كوني وزيرة للتنمية الادارية والتي هي معادلة لوزارات الحوكمة في العالم. يجب ان اورد هذه الملاحظة وهي ان هذا القانون اقر في نفس اليوم الذي كنا نهنئ فيه انفسنا ونهنئ اللبنانيين باقرار قانونين لمحاربة الفساد وتعزيز الشفافية وهذا القانون للاسف مفخخ بمكامن الفساد وانعدام الشفافية حيث انه تعددت فيه الهيئات وضاعت المسؤوليات وامكانيات المحاسبة كما انه يعاني من خلل كبير على صعيد الحوكمة، وعلى الرغم من تعدد هذه الهيئات الا ان القرار في اكثر من مادة وضع في يد الوزير وحتى ليس في يد الوزارة. فاذا اجرينا عملية تقييم corruption risk assessment لمخاطر الفساد نجد ان امكانية الفساد موجودة في اكثر من ناحية في هذا القانون وللاسف هذا يدخل في نطاق الفساد المقونن مع اننا كما ذكرت اقريناه في زمن كلنا نقول بأننا نريد ان نحارب الفساد. القانون يتضمن نوع من تضارب المصالح حيث ان وزير البيئة هو في الآن معاً رئيس لجنة التنسيق والوصي على هيئة ادارة القطاع والاسوأ من ذلك انه يسمح للوزير وبموجب هذا القانون باعتماد اي تقنية جديدة لمعالجة النفايات بمعزل عن عرضها على الهيئة او لجنة التنسيق او لجنة علمية.واعتقد ان الجهد يجب ان ينصب الان على تعديلات محتملة وعلى المراسيم التطبيقية لضبط ادارة القطاع والتخفيف من السلبيات.خلال الاسبوع الماضي تحدثت الى صحيفة الدايلي ستار حول موضوع النفايات وطلبت من المسؤولين ان يتقوا الله في شعبنا وبيئتنا وصحتنا.اكرر هذه الدعوة اليوم من الجامعة الاسلامية في صور واضيف دعوة للاستعجال في تاليف الحكومة وذلك اتأمين الانتظام العام في البلد ولتتفرغ للملفات المتراكمة والعديدة وهذا ما يدعو اليه دولة الرئيس نبيه بري باستمرار وبشكل دائم .